في أحدث تحليلاته المنشورة عبر مدونة (ديوان) بمركز كارنيجي، يفتح الباحث البارز يزيد صايغ النار على السردية الرسمية المحيطة بجهاز "مستقبل مصر للتنمية المستدامة"، واصفًا إياه بأنه التجسيد الأحدث والأخطر لنمط "رأسمالية الدولة الهجينة" في مصر.

 

تحت عنوان "نجم السيسي الجديد"، يفكك صايغ الهالة الدعائية المحيطة بالجهاز الذي يقوده العقيد الطيار بهاء الغنام، كاشفًا عن بنية اقتصادية تفتقر للشفافية وتهدد بابتلاع ما تبقى من القطاع الخاص.

 

هندسة الغموض: جهاز بلا رقابة (رؤية صايغ القانونية)

 

يرصد صايغ المفارقة الصارخة في نشأة الجهاز؛ إذ صدر قرار إنشائه رئاسيًا في 2022، لكنه لم يُنشر في الجريدة الرسمية، وهو ما يعتبره صايغ مؤشرًا خطيرًا على نية مبيتة لتجنيب الجهاز أي مساءلة قانونية أو رقابة عامة .

 

يرى صايغ أن هذا "التعتيم التأسيسي" يتيح للجهاز العمل كـ "صندوق أسود"، حيث البيانات المالية غائبة تمامًا، مما يجعل التحقق المستقل من ادعاءات الأرباح أو الإنجازات أمرًا مستحيلًا.

 

 

العقيد الغنام.. واجهة "تكنوقراطية" لواقع عسكري

 

يحلل صايغ صعود العقيد الطيار بهاء الغنام، معتبرًا أنه يمثل "تكتيكًا جديدًا" للنظام. فبخلاف الإدارات العسكرية السابقة التي اتسمت بالجمود، مُنح الغنام صلاحيات واسعة لتوظيف مديرين مدنيين ذوي كفاءة.

 

لكن صايغ يحذر من الانخداع بهذا المظهر؛ فالهدف ليس تمكين المدنيين، بل استخدام خبراتهم لإنقاذ السمعة الاقتصادية للجيش بعد إخفاقات مشاريع سابقة (مثل فشل شركة "الريف المصري الجديد" في استصلاح الـ 1.5 مليون فدان) .

 

بالنسبة لصايغ، الغنام هو "الوجه المقبول" لتعميق سيطرة المؤسسة العسكرية.

 

استنزاف الموارد: فاتورة باهظة ومخاطر بيئية

 

ينقل صايغ النقاش من السياسة إلى الجدوى الاقتصادية والبيئية، طارحًا أرقامًا صادمة:

 

  • التكلفة المالية: يشير صايغ إلى أن استصلاح مليون فدان يتطلب ما بين 200 إلى 250 مليار جنيه، وهي تكلفة هائلة تثير تساؤلات حول أولويات الإنفاق في ظل أزمة ديون خانقة .
  • الكارثة البيئية: يحذر صايغ من أن اعتماد الجهاز المفرط على المياه الجوفية ونقل مياه النيل لمسافات بعيدة، مع الاستخدام الكثيف للأسمدة، يهدد باستنزاف المخزون المائي وتدهور التربة، واصفًا ذلك بأنه نموذج تنموي "غير مستدام" قد يورث الأجيال القادمة أرضًا محروقة .

 

"البلطجة التجارية": تجربة القمح كنموذج

 

يستشهد صايغ بتكليف السيسي للجهاز بإدارة ملف استيراد القمح كدليل عملي على فوضى الإدارة.

 

يرصد الباحث كيف تسبب الجهاز في أزمة ثقة مع الموردين العالميين، عبر التخلي عن المناقصات الرسمية الشفافة، وتأخير المدفوعات، ومحاولة إعادة التفاوض القسري على العقود.

 

يرى صايغ في ذلك مثالًا فجًا على كيفية إدارة الدولة بعقلية "الأمر المباشر" التي تضرب بعرض الحائط قواعد التجارة الدولية .

 

التغول على القطاع الخاص: شراكة الإذعان

 

يخلص صايغ إلى أن الحديث عن "جذب القطاع الخاص" هو مجرد شعار للاستهلاك الإعلامي.

 

فالجهاز، بحسب رصده، لا يكتفي بالزراعة، بل يتمدد كالأخطبوط للاستحواذ على حصص في شركات خاصة وكيانات مدرجة بالبورصة، ويدخل مجال العقارات (مشروع "جريان" بتكلفة 1.5 تريليون جنيه).

 

يؤكد صايغ أن غياب إطار قانوني واضح ينظم هذه "الشراكات" يجعل المستثمر الخاص في وضع الضعيف أو التابع، مما يقتل المنافسة ويحول السوق إلى ساحة يسيطر عليها اللاعب المسلح .