تشهد الساحة السودانية واحدة من أعقد مراحل الحرب المستمرة منذ أبريل 2023، مع انتقال بؤرة المواجهات إلى إقليم كردفان وتجدّد الهجمات التي باتت تطال المدنيين بشكل مباشر، بالتزامن مع تحركات سياسية أمريكية ودولية لمحاولة كبح الانهيار الكبير الذي يضرب البلاد.
وفي وقت تتصاعد فيه حدة القصف والمعارك في ولايات كردفان ودارفور، يواصل مجلس السيادة الانتقالي تمسكه برفض أي تسوية تعيد قوات الدعم السريع إلى المعادلة السياسية والعسكرية، فيما تحذر الأمم المتحدة من موجة جديدة من "الفظائع" والمجاعة التي تهدد مئات الآلاف.
اشتباكات تتوسع ومجلس السيادة يحسم موقفه
أكد نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي مالك عقار أن الحكومة لا يمكن أن تمضي في أي اتفاق يعيد قوات الدعم السريع إلى المشهد، متهماً إياها بالسعي إلى "احتلال جديد للسودان".
وجاءت تصريحات عقار خلال لقاء جمعه بالمبعوث البريطاني الخاص للسودان في مدينة بورتسودان، حيث شدد على أن الخرطوم ملتزمة بسلام يحافظ على وحدة البلاد وسيادتها.
بالتزامن، تستعر المواجهات في محاور كردفان، وسط تقارير متزايدة عن انتهاكات واسعة وتدهور حاد في الوضع الإنساني.
مدنيون تحت الحصار.. أرقام مفزعة من جنوب كردفان
حذّر المدير الإقليمي لمفوضية اللاجئين في شرق وجنوب أفريقيا من أن تصاعد الاشتباكات بعد الفاشر يُبقي المدنيين محاصرين، مشيراً إلى أن النساء والأطفال وكبار السن فقط هم القادرون على الفرار، بينما يخشى الشباب من الاستهداف على طرق الهروب.
وفي مدينة كلوقي بجنوب كردفان ارتفع عدد الضحايا إلى أكثر من 70 قتيلاً في قصف بطائرة مسيّرة تابعة لقوات الدعم السريع، بينهم عشرات الأطفال، في واحدة من أكثر الهجمات دموية خلال الشهر الأخير.
وفي بابنوسة، قالت القوات المسلحة إنها أحبطت هجوماً واسعاً للدعم السريع الذي يواصل استخدام الطائرات المسيّرة رغم إعلانه هدنة وصفتها القيادة العسكرية بأنها "مناورة سياسية".
مجاعة وشيكة.. والأمم المتحدة تُطلق الإنذار الأحمر
أعلنت الأمم المتحدة أن المجاعة بدأت تظهر في عدة مناطق بكردفان، خصوصاً كادقلي والدلنج، وسط حصار خانق تفرضه قوات الدعم السريع والحركة الشعبية شمال على المدينتين منذ الأشهر الأولى للحرب.
وأكد ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أن الوضع في الإقليم "حرج للغاية"، مع استمرار الهجمات ومنع وصول المساعدات إلى مئات الآلاف.
وبحسب مفوضية حقوق الإنسان، وثقت القوات الأممية مقتل 269 مدنياً على الأقل في شمال كردفان، في ظل تقارير عن عمليات قتل وخطف وعنف جنسي وتجنيد قسري، بما في ذلك للأطفال.
"حرب استنزاف" بلا أفق للحسم
يرى محللون سودانيون أن السودان دخل مرحلة حرب استنزاف طويلة، تقوم على هجمات مضادة متبادلة دون قدرة أي طرف على تحقيق اختراق حاسم.
الكاتب عبد الماجد عبد الحميد يرى أن الجيش "يدافع عن أرض السودان" ويتقدم وفق خطة لتأمين شمال وغرب كردفان، معتمداً على "النَفَس الطويل" لطرد الدعم السريع.
في المقابل، يرى الصحفي فتحي أبو عمار أن السودان "تقسّم عملياً" إلى منطقتين وجيشين، مؤكداً أن الدعم السريع يسيطر على أكثر من نصف البلاد، بما في ذلك دارفور و90% من كردفان.
أما عثمان فضل الله، فيشبه المشهد العسكري بـ"معركة دائرة مفرغة" تستنزف الطرفين دون مؤشرات على نهاية قريبة.
نزوح جماعي.. 10 آلاف يفرّون من الفاشر
شهد الأسبوع الأخير موجة نزوح جديدة من الفاشر نحو مدينة الدبة شمالي البلاد، حيث وصلت آلاف الأسر منهكة لا تحمل إلا القليل.
وأشارت منظمة "أطباء بلا حدود" إلى أن 10 آلاف مدني فروا من "فظائع جماعية" إلى بلدة طويلة شمال دارفور، وسط اكتظاظ شديد ونقص فادح في الخدمات.
ترامب يدخل على الخط.. تحركات أمريكية تحمل رسائل متعددة
على الصعيد السياسي، أثار إعلان وزير الخارجية الأمريكي تولي الرئيس دونالد ترامب ملف إنهاء الحرب بنفسه اهتماماً كبيراً داخل السودان.
يرى مستشار رئيس الوزراء السوداني أن التدخل الأمريكي يهدف لإيجاد "دولة يمكن للولايات المتحدة التعامل معها"، وأن أي تحرك سيكون على حساب الدعم السريع.
الدبلوماسيون السودانيون في واشنطن أبدوا تفاؤلاً مشوباً بالحذر، معتبرين أن التدخل قد يفتح مراجعة شاملة للملف السوداني، لكنهم شككوا في معرفة ترامب التفصيلية بالأوضاع المعقدة في البلاد.
ويرجّح مراقبون أن ترامب قد يلجأ إلى العقوبات والضغوط السياسية إذا أراد دفع الأطراف نحو تسوية، مع ضرورة مواءمة الموقف الأمريكي مع الدور السعودي والمصري والإماراتي في الصراع.

