تشهد الساحة السودانية تطورات ميدانية خطيرة مع اتساع نطاق المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع المدعومة من الاحتلال الاماراتي، خصوصًا في ولايات كردفان ودارفور، في وقت تتصاعد فيه الاتهامات الموجهة للدعم السريع بارتكاب جرائم حرب جديدة ضد المدنيين داخل مخيمات النزوح.
تصعيد خطير في شمال كردفان
تفاقمت المعارك في ولاية شمال كردفان جنوبي السودان، حيث أفاد سكان من مدينة الأبيّض بوقوع انفجار قوي ناتج عن مسيّرة تابعة لقوات الدعم السريع قرب قاعدة الفرقة الخامسة للجيش. وتُعدّ الأبيّض مدينة ذات أهمية استراتيجية، إذ تقع على طريق حيوي يربط العاصمة الخرطوم بإقليم دارفور غرب البلاد، كما تضم مطارًا ومرافق لوجستية تزيد من ثقلها العسكري.
وفي تطور آخر، تجدّدت الاشتباكات في مدينة بابنوسة الواقعة جنوب غرب الأبيّض، وهي آخر معقل رئيسي للجيش في غرب كردفان. وكانت قوات الدعم السريع قد أعلنت سيطرتها الكاملة على المدينة بعد صد محاولة هجوم من وحدات الجيش، ونشرت مقاطع تُظهر انتشار مقاتليها داخل مقر الفرقة 22 مشاة. إلا أن الجيش سارع إلى نفي فقدانه المدينة مؤكدًا تمكن وحداته من صد هجوم جديد للدعم السريع.
يتهم الجيش خصمه بمواصلة تنفيذ ضربات يومية باستخدام المسيّرات والمدفعية الثقيلة، رغم إعلان الدعم السريع الأسبوع الماضي وقفًا لإطلاق النار من طرف واحد لمدة ثلاثة أشهر، وهو ما اعتبرته القيادة العسكرية مجرد خطوة لإعادة التموضع الميداني.
ضحايا وعمليات نزوح واسعة في الفاشر
تمتد رقعة العنف إلى مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، حيث أعلنت شبكة أطباء السودان عن مقتل أربعة مدنيين بينهم طفل في حي الدرجة، نتيجة هجوم نفذته قوات الدعم السريع. وتؤكد الشبكة أن تلك الانتهاكات أصبحت تهدد حياة السكان بشكل مباشر، في ظل غياب أي حماية فعلية للمدنيين.
كما كشفت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن وصول 160 أسرة جديدة إلى مدينة ربك بولاية النيل الأبيض بعدما فرت من تصاعد العنف في الفاشر. وأشارت المفوضية إلى أن النازحين يصلون شبه خالين من أي ممتلكات، وأن الاحتياجات الإنسانية في ازدياد يفوق قدرة المنظمات الدولية على الاستجابة.
من جانبها، وصفت منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في السودان، دينيس براون، الوضع في الفاشر بأنه “ساحة جريمة مفتوحة”، مؤكدة وجود قرى محاصرة بالكامل وعجز المنظمات عن إيصال المساعدات الضرورية إليها.
جهود دبلوماسية متعثّرة
على الصعيد الدولي، لا تزال مساعي وقف الحرب في السودان تراوح مكانها. فقد دعت وزيرة الخارجية البريطانية إلى تسريع وتيرة الجهود الدولية لإنهاء الاقتتال، وأكدت استمرار التنسيق مع الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات لبلورة مسار سياسي قادر على فرض وقف دائم لإطلاق النار. إلا أن غياب الإرادة من الأطراف المتحاربة يشكل أكبر عقبة أمام أي اختراق سياسي.
اتهامات جديدة بارتكاب جرائم حرب في مخيم زمزم
وفي تطور مثير، اتهمت منظمة العفو الدولية قوات الدعم السريع بارتكاب “جرائم حرب موثقة” خلال اقتحام مخيم زمزم للنازحين قرب مدينة الفاشر في وقت سابق من العام الجاري. واستندت المنظمة إلى شهادات 29 شخصًا، بينهم ناجون وصحفيون وأقارب ضحايا.
ووفق التقرير، فإن المخيم — الذي كان يضم نحو مليون نازح — تعرض لاعتداءات ممنهجة شملت قتل المدنيين عمدًا، وأخذ رهائن، ونهب ممتلكات النازحين، إضافة إلى تدمير منشآت حيوية مثل المساجد والمدارس والعيادات الطبية. وقد أدى الهجوم إلى نزوح أكثر من 400 ألف شخص في واحدة من أكبر موجات التهجير الداخلي منذ اندلاع الصراع.
وطالبت العفو الدولية بفتح تحقيق دولي فوري في تلك الانتهاكات باعتبارها جرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي. وقالت أمينتها العامة، أنييس كالامار، إن الهجوم “يعكس ازدراء تامًا بحق المدنيين وحقهم في الحياة”.
أكبر كارثة إنسانية في العالم
منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، أدت المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 12 مليون شخص داخل السودان وخارجه، في أزمة تصفها الأمم المتحدة بأنها “الأسوأ عالميًا” من حيث حجم المعاناة الإنسانية ومستوى الدمار الذي يضرب البنية والمجتمع على حد سواء.
ورغم التصعيد العسكري والاتهامات المتبادلة، لا تزال بوادر الحل السياسي غائبة، في وقت تتسع فيه رقعة الكارثة وتقترب أكثر من حدود الانفجار الإنساني الشامل.

