شارع عباس العقاد في مدينة نصر لم يعد ذلك الشريان الحضري الراقي، بل تحول تحت سمع وبصر حكومة الانقلاب إلى سوق عشوائي مفتوح يحتل فيه الباعة والمحلات أكثر من نصف حرم الطريق، ويحرمون السكان من أبسط حقوقهم في السير والخروج من منازلهم بأمان. الفوضى هنا ليست «أثرًا جانبيًا» للفقر، بل نتيجة مباشرة لسلطة اختارت حماية الإشغالات على حساب الناس، وتحويل الشارع إلى مساحة خارج القانون إلا عندما يتعلق الأمر بمطاردة من يرفع صوته بالشكوى أو يصور الحقيقة وينشرها.
https://www.facebook.com/groups/2149368508465641/posts/24953602270948941/
شارع مخنوق تحت رحمة الإشغالات
سكان عباس العقاد يصفون شارعهم اليوم بأنه «مخنوق»، بعد أن تمدد فرش البضاعة والكراسي والسرادقات ليبتلع الأرصفة ومواقف السيارات وجزءًا واسعًا من نهر الشارع، حتى بات المرور بسيارة أو سيرًا على الأقدام مغامرة يومية وسط زحام خانق وتعديات صريحة. تقارير صحفية محلية وثقت صورًا لشارع لا يكاد يُرى فيه الرصيف أصلًا، مع منشآت بدائية مخالفة وكافيهات عشوائية تحتل الممرات وتحوّل المنطقة إلى ضوضاء وسلوكيات لا تليق بحي كان يُسوَّق رسميًا باعتباره «واجهة حضارية» للعاصمة.
هذه الفوضى لم تأتِ من فراغ؛ إذ تشير شكاوى متكررة إلى أن مواقف السيارات أسفل العمارات وعلى جوانب الشارع تحولت إلى أسواق ملابس وبضائع موسمية، وسط صمت حي شرق مدينة نصر وشرطة المرافق، وكأن القرار السياسي الحقيقي هو ترك الشارع نهبًا لمن يدفع الإتاوات أو يلوّح بولائه.
https://www.facebook.com/groups/2149368508465641/posts/24953602270948941/
استغاثات الأهالي على السوشيال ميديا بدل أبواب المسؤولين
بعد أن سُدَّت في وجوههم أبواب الحي والمحافظة والوزارة، لجأ أهالي عباس العقاد إلى فيسبوك وجروبات «شكاوى حي شرق مدينة نصر» لنشر صور وفيديوهات تستغيث من واقع لم يعد يُحتمل؛ شوارع جانبية تحولت إلى ساحات معارك بين الباعة وأصحاب السيارات على أولوية الركن، وفرش يمتد حتى مداخل العمارات، ومشاجرات ليلية تخنق النوم عن الأسر والأطفال.
في إحدى الشكاوى يكتب أحد السكان بوضوح أن الناس «نستجير من الباعة الجائلين في عباس العقاد» لأنهم أصبحوا أقوى من الحي نفسه، يهربون إلى الشوارع الجانبية عند اقتراب سيارات الحملة ثم يعودون في اليوم التالي كأن شيئًا لم يكن.
ولا تقف المأساة عند ضيق الشارع؛ فهناك شكاوى موثقة تتحدث عن بلطجة على السكان في مواقف السيارات، وابتزاز من بعض من يسيطرون على مساحات كاملة من نهر الطريق مقابل «إتاوة ركن»، مع عجز تام للأجهزة المحلية عن فرض أي انضباط حقيقي.
هذا كله يحدث في شارع يُفترض أنه في قلب العاصمة وتحت كاميرات مسؤولي الانقلاب الذين لا يترددون في إنزال الجرافات على بسطات الباعة في الأحياء الفقيرة عندما يريدون إثبات «هيبة الدولة»، بينما تنحني هذه الهيبة فجأة أمام سوق عشوائي مزروع في قلب مدينة نصر.
حملات شكلية بلا أثر.. وسكان يدفعون الثمن
الإعلام الموالي للنظام لا يقصّر في بث أخبار عن «حملات مكثفة لرفع الإشغالات في عباس العقاد»، مع صور لسيارات حي شرق مدينة نصر وهي تزيل بعض الفرشات أمام الكاميرا، قبل أن تعلن العناوين أن «الحي استجاب لشكاوى المواطنين» وأن الأمور «عادت إلى طبيعتها». لكن عودة الشكاوى نفسها من نفس الأماكن، وبصوت أعلى، تثبت أن ما يجري مجرد مسكنات إعلامية ومساحيق تجميل لسلطة لا تنوي حقًا الاصطدام بشبكات المصالح التي تستفيد من استمرار السوق العشوائي في الشارع.
تقارير أخرى تتحدث عن «استجابة لشكاوى الأهالي» وحملات متكررة بدعم من شرطة المرافق، لكن المواطنين يؤكدون أن الاحتلال يعود في اليوم نفسه أو في اليوم التالي، وأن ما يُرفع أمام الكاميرات يعود بأضعافه بعد انصرافها، في مشهد يختصر منطق إدارة حكومة الانقلاب للملف كله: صورة للإعلام، وفوضى على الأرض.
شارع يفضح طبيعة حكم لا يرى الناس
قصة عباس العقاد ليست مشكلة «باعة غلابة» كما تحاول الآلة الرسمية تبسيطها، بل نموذج فاضح لعلاقة معكوسة بين سلطة ومواطنين: حكومة انقلاب تنفق المليارات على عاصمة إدارية وطرق سريعة وكباري إسفلت، لكنها تعجز ـ أو لا تريد ـ أن تحمي حرم شارع واحد من الاحتلال الكامل، وأن تضمن لساكنيه حقًا بديهيًا في الخروج من بيوتهم دون إذلال أو خطر. في هذا النموذج، يصبح الشارع غنيمة تُقسَّم بين أصحاب النفوذ، بينما يُترك المواطن المحاصر وسط الفوضى بلا حماية، بل يُتَّهَم أحيانًا بإثارة البلبلة إذا تجرأ وصوّر الواقع ونشره طلبًا للنجدة.
بهذا المعنى، لم يعد عباس العقاد مجرد شارع تجاري مكتظ، بل وثيقة اتهام مفتوحة ضد منظومة حكم ترى الناس عائقًا لا أصحاب حق، وتتعامل مع استغاثاتهم الموثقة في الروابط والصور والفيديوهات كضوضاء يجب إسكاتها لا كصرخة تحتاج إلى قرار سياسي شجاع يعيد الشارع إلى أهله قبل أن تبتلعه الفوضى إلى غير رجعة.

