في تطور دراماتيكي هز القارة السمراء، ولم تكن تردداته ببعيدة عن القاهرة، أطاح الجيش في غينيا بيساو بالرئيس "عمر سيسوكو إمبالو"، معلناً نهاية حكمه الذي شابه الفساد والتلاعب بإرادة الناخبين. الحدث الذي وقع في الساعات الماضية لم يكن مجرد صراع على السلطة، بل جاء -بحسب بيان القادة العسكريين الجدد- "تصحيحاً لمسار" انحرف عبر تزوير الانتخابات التشريعية والرئاسية. هذا المشهد يفتح الباب واسعاً لتساؤلات مشروعة ومؤلمة في آن واحد حول الحالة المصرية: إذا كان تزوير الصناديق في غرب أفريقيا محركاً لغضبة تطيح بالرؤوس، فماذا عن مصر التي بات التزوير فيها "عقيدة دولة" وركيزة بقاء لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي؟

 

غينيا بيساو: عندما تنتفض البنادق لحماية الصناديق

 

في خطوة مفاجئة، أعلنت مجموعة من كبار الضباط في بيساو، أطلقت على نفسها "القيادة العسكرية العليا لاستعادة الأمن"، عزل الرئيس واحتجازه، وبررت تحركها بوجود "مخطط لتزوير النتائج" بالتعاون مع ما وصفتهم بـ"سياسيين وتجار مخدرات".

 

التحرك العسكري جاء بعد أيام قليلة من انتخابات شابتها خروقات واسعة، ومحاولات من الرئيس المنتهية ولايته لفرض سيطرة حزبه وإقصاء المعارضة، وهو ما اعتبرته المؤسسة العسكرية هناك خطاً أحمر يهدد السلم الأهلي.

 

المفارقة هنا تكمن في "السبب المعلن": الجيش في غينيا بيساو تحرك لأن "النتائج لا تطابق الواقع"، ولأن هناك عبثاً بكشوف الناخبين وإرادتهم. لم ينتظروا حتى تترسخ "المسرحية"، بل قطعوا الطريق على "الشرعية المزيفة" قبل أن تولد، في رسالة واضحة بأن العبث بالعملية السياسية جريمة لا تسقط بالتقادم، ولا تحميها الحصانة الرئاسية.

 

مصر: تزوير "على عينك يا تاجر" وصمت القبور

 

بينما ينتفض العالم ضد تزوير إرادة الشعوب، يقبع المشهد المصري تحت وطأة تناقض صارخ. ففي مصر، قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي لم يكتفِ بتزوير جولة انتخابية، بل زور "المشهد السياسي" برمه منذ 2013.

 

الانتهاكات التي اعتبرها جيش غينيا بيساو مبرراً للإطاحة بالرئيس، تعتبر في مصر "إنجازات" و"روتين يومي" تشرف عليه الأجهزة الأمنية والسيادية:

  • شراء الأصوات والكراتين: ما وُصف في بيساو بـ"الفساد المالي"، هو في مصر سياسة ممنهجة تُدار علناً أمام اللجان، حيث تُستبدل الكرامة بـ"كرتونة زيت وسكر".
  • إقصاء المنافسين: إذا كان إقصاء المعارضة في غينيا أشعل الغضب ، فإن السيسي جعل من السجن أو النفي المصير المحتوم لأي مرشح جاد يفكر في منافسته (كما حدث مع عنان وجنينة وطنطاوي).
  • النتائج المحسومة: في غينيا بيساو، غضبوا لعدم تطابق النتائج مع الفرز، أما في مصر، فالنتيجة تُكتب في الغرف المغلقة قبل أن يطبع الناخب أول ورقة اقتراع.

 

"حكومة الانقلاب".. عندما يكون الحامي هو الحرامي

 

الفارق الجوهري والمرير بين المشهدين يكمن في عقيدة المؤسسة. في الحالة الأفريقية -على علاتها- ادعى العسكر التحرك ضد "الرئيس المزور". أما في مصر، فـ"رأس السلطة" هو نفسه مهندس التزوير، والمؤسسة التي يفترض بها حماية الدستور تحولت إلى "حرس خاص" لمشروع التوريث وتأبيد السلطة.

 

عبد الفتاح السيسي لا يزور الانتخابات للبقاء في السلطة فحسب، بل يُعيد هندسة الدولة لتكون "دولة الفرد الواحد"، مستخدماً في ذلك "حكومة الانقلاب" كأداة تنفيذية لقمع أي صوت، وتمرير مسرحيات انتخابية هزلية لا تنطلي حتى على السذج.

 

تداعيات الزلزال الأفريقي: هل تصل العدوى؟

 

ما حدث في غينيا بيساو يرسل جرس إنذار شديد اللهجة لكل المستبدين الذين يظنون أن "القوة الغاشمة" و"تزوير النتائج" بوليصة تأمين أبدية.

  • سقوط شرعية القوة: يثبت الانقلاب في بيساو أن السيطرة الأمنية الظاهرية قد تنهار في لحظة إذا ما توفرت الإرادة، وأن الاعتماد على تزوير الشرعية هو رهان خاسر.
  • فضح الازدواجية: يضع هذا الحدث المجتمع الدولي والاتحاد الأفريقي في حرج؛ كيف يدينون انقلاباً أطاح بـ"مزور"، بينما يفرشون السجاد الأحمر لـ"جنرال" جاء على ظهر دبابة ويمارس التزوير كمنهج حكم؟
  • الأمل الكامن: الرسالة الأهم للشعب المصري وقواه الحية هي أن "التزوير" ليس قدراً محتوماً، وأن الأنظمة التي تبني عروشها على أوراق اقتراع مزيفة هي أوهن من بيوت العنكبوت، سواء في أدغال أفريقيا أو على ضفاف النيل.