مع انطلاق المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب 2025، وجه الشعب المصري صفعة قاسية وصامتة لنظام الانقلاب عبر عزوف واسع عن المشاركة، محولاً اللجان الانتخابية في 13 محافظة (بينها القاهرة والدقهلية والمنوفية) إلى مبانٍ مهجورة تسكنها الأشباح ومندوبو الأمن. ورغم محاولات النظام اليائسة لتجميل الصورة عبر "مسرحية" التدخل الرئاسي لإلغاء نتائج بعض دوائر المرحلة الأولى، إلا أن الرسالة الشعبية جاءت واضحة: "لا شرعية لبرلمان يُفصّل داخل الغرف الأمنية".

 

عزوف "تاريخي": الشعب يرفض دور "الكومبارس"

 

تشير التقارير الميدانية وشهادات المراقبين المستقلين إلى تراجع غير مسبوق في نسب التصويت، امتداداً لمهزلة انتخابات الشيوخ التي لم تتجاوز فيها المشاركة 17%.

 

  • فشل الحشد: رغم الحضور الأمني المكثف والضغوط التي مارسها حزب "مستقبل وطن" (الذراع السياسي للنظام) لحشد الموظفين والعمال، إلا أن اللجان بدت خاوية إلا من كبار السن والمستفيدين المباشرين، في مشهد يعكس قناعة راسخة لدى المواطن بأن "الصندوق" لم يعد أداة للتغيير بل ديكوراً لتثبيت السلطة.
  • أرقام مفبركة: بينما تحاول الأذرع الإعلامية (مثل إكسترا نيوز) ترويج أكاذيب بأن المشاركة تفوق انتخابات 2020، تكذب العين المجردة واللجان الخاوية هذه الادعاءات، وكالعادة ستخرج الهيئة الوطنية للانتخابات في نهاية اليو للتغطية على تلك المهزلة بتصريحها أنها فترات التصويت أو الحديث عن "كثافة" وهمية بعد انتهاء الوقت الرسمي.

 

ديمقراطية "أبو كرتونة" والمال السياسي

 

لم يتبقَ للنظام سوى سلاحه القديم: الرشاوى الانتخابية، التي عادت للواجهة بقوة تحت مسمى "أبو كرتونة" و"مرشح الأمن".

 

  • سوق شراء الأصوات: وثقت تقارير حقوقية انتشار ظاهرة شراء الأصوات علناً أمام اللجان، حيث وصل سعر الصوت في بعض الدوائر لأرقام قياسية، في استغلال فج لفقر المواطنين الذي صنعه النظام نفسه. ومع ذلك، حتى هذا المال الفاسد لم ينجح في خلق الزخم المطلوب، حيث أخذ الكثيرون الأموال وقاطعوا أو أبطلوا أصواتهم.
  • هندسة النتائج: يدرك الناخب أن النتيجة "مطبوخة" سلفاً لصالح القائمة المطلقة المغلقة، وأن المنافسة الفردية هي مجرد صراع بين أجنحة النظام وأصحاب الملايين، مما أفرغ العملية الانتخابية من أي مضمون سياسي حقيقي.

 

مسرحية "التدخل السيساوي": محاولة بائسة لغسل السمعة

 

حاول السيسي استدراك الفضيحة التي شهدتها المرحلة الأولى (تزوير فج أدى لطعون غير مسبوقة) عبر توجيه "تاريخي" بإلغاء نتائج 19 دائرة، مصوراً نفسه كـ"حامي الديمقراطية".

 

  • اعتراف بالتزوير: يرى المحللون أن هذا التدخل ليس انتصاراً للنزاهة، بل هو "اعتراف رسمي" بأن المرحلة الأولى شابتها انتهاكات جسيمة نسفت شرعيتها. إنه محاولة لامتصاص الغضب الشعبي وإغراء الناخبين بالنزول في المرحلة الثانية، لكن "المقاطعة" أثبتت أن الشعب لم يبتلع الطُعم.
  • برلمان بلا شرعية: بإلغاء نتائج دوائر كاملة واعتراف ضمني بتدخل المال الفاسد، يضع النظام بنفسه المسمار الأخير في نعش برلمان 2025 قبل أن يبدأ، مؤكداً أنه سيكون مجلساً مشوهاً، فاقداً للثقة، ومعيناً بقرارات فوقية لا بإرادة شعبية.

 

رسالة صمت مدوية

 

إن خلو اللجان في القاهرة والمحافظات ليس كسلاً أو لا مبالاة، بل هو "فعل سياسي" واعٍ ومقاومة سلبية من شعب قرر سحب الشرعية من نظام لا يرى فيه سوى الجباية والقمع. إنها رسالة بأن المصريين، وإن عجزوا عن التظاهر في الميادين، فإنهم قادرون على تعرية النظام في صناديقه الزجاجية، تاركينه يرقص منفرداً في مسرحية لم يعد يصفق لها أحد.