وكأن المعارضة جاءت من العدم، ولم يكن لها وجود من قبل حتى أصبح الإعلاميون الموالون للأجهزة الأمنية ينادون بأهمية تواجدها وحضورها في مجلس النواب، ناسين أو متغافلين عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى ولادة برلمان بلا معارضة، برلمان مستأنس لا ينزعج من شكّله، ولا يضّجر من اختار نوابه على عينه.
لا صوت يعلو على فضائيات النظام هذه الأيام عن إعادة ترتيب الأوضاع، والسماح بهامش حركة للمعارضة داخل البرلمان، حتى تعبر عن وجهة النظر الأخرى، التي غابت أو تم تغييبها عن عمد، وذلك بعد تم تجريف الساحة السياسية عن عمد من المعارضين الحقيقيين، الذين تم الزج بهم في السجون، أو أكرهوا مرغمين على مغادرة البلاد، أو آثروا الصمت تجنبًا لما لا تحمد عواقبه.
فلم يُعرف عن عبدالفتاح السيسي، أو من أي رجالات نظامه، انفتاحهم على المعارضة في يوم من الأيام، فالجميع في نظرهم إما "إرهابيين" أو من "أعداء الوطن"، لا هم لهم ولا مصلحة إلا تخريب البلاد، وتشويه الجميل، وإشاعة الأخبار الكاذبة بين الناس، مستلهمًا طريقة جورج بوش الشهير في تصنيف خصومه والمعارضين له عقب هجمات 11 سبتمبر: "من ليس معنا فهو ضدنا".
الآن فقط، تذكر إعلاميو السيسي وحملة المباخر، أن هناك معارضة يجب أن تكون داخل مجلس النواب لا خارجه، يتم التعامل معها ومع آرائها بدون تشويه أو تخوين، في إطار الدولة الوطنية التي تضم جميع ألوان الطيف السياسي بدون تمييز.
أحمد موسى: مفيش برلمان من غير معارضة
أغرب ما يمكن أن تسمعه في هذا الإطار النداء الذي أطلقه على لسان الإعلامي أحمد موسى للناخبين قبيل انطلاق المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب، قائلاً: "رسالتي للمواطنين انتخب المرشح الصالح... بحلف بالله على الهواء الدولة عايزة تسمع رأيًا آخر، د. حسام بدراوى قال كلامًا في برنامجنا محدش بيقولوا ومحصلش حاجة".
بحلف بالله على الهواء الدولة عايزة تسمع رأي آخر.. أحمد موسى: د. حسام بدراوي قال كلام فى برنامجنا محدش بيقولوا ومحصلش حاجة#على_مسئوليتي #صدى_البلد pic.twitter.com/2ZwyBHcDpT
— صدى البلد (@baladtv) November 22, 2025
وأضاف: "لازم ندي الفرصة للأصوات المعارضة لمصلحة الوطن... مفيش حاجة اسمها برلمان من غير معارضة، مش هنضحك على بعض ونجامل في ناس زعلانة فعلاً".
مفيش حاجة اسمها برلمان من غير معارضة.. أحمد موسى: مش هنضحك على بعض ونجامل في ناس زعلانة فعلا#على_مسئوليتي #صدى_البلد pic.twitter.com/CeA3ZELrBh
— صدى البلد (@baladtv) November 22, 2025
وتابع: "المواطن يريد نائبًا يعرفه، يا جماعة إحنا مش بنخترع العجلة ولا هو سر، يا جماعة كلنا عارفين الناس عاوزة مين في الانتخابات، دا في ناس بتسأل بتقول مين اللي في الانتخابات نازل في الدائرة بتاعتي".
عمرو أديب: المعارضة تجعل مجلس النواب صحيًا
على غرار موسى، أطلق الإعلامي عمرو أديب، الدعوة للمواطنين بضرورة المشاركة الإيجابية والتوجه إلى صناديق الاقتراع، لاختيار ممثليهم في المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب.
واستنهض أديب همم الناخبين لاستغلال الفرصة والمشاركة في التصويت، قائلاً: "أرجوكم يا جماعة، هي فرصة، صدقوني مش هتخسروا حاجة، روح اختار اللي أنت عايزه، كل الناس والأحزاب موجودة، المعارضة موجودة، روح اختار المعارضة يا أخي، اختار من تريده شوف أنت عايز مين ومن الذي سيعبر عنك أكثر".
وأضاف أن من المتعارف عليه في الاستحقاقات الانتخابية وجود أغلبية فائزة تمثل تيار الموالاة، داعيًا لإحداث "توازن" سياسي عبر الصناديق، لأن "وجود المعارضة داخل المجلس يجعله مجلسًا صحيًا يعبر عنك".
واستشهد برسالة السيسي، بشأن إلغاء الانتخابات كليًا أو جزئيًا في المرحلة الأولى، وقرار الهيئة الوطنية للانتخابات بإلغاء وإعادة الانتخابات في 19 دائرة ضمن المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب، بسبب رصد "مخالفات جوهرية" أثرت على إرادة الناخبين، وذلك للتأكيد على شفافية الانتخابات.
وأكد أن مسئولية التغيير تقع على عاتق المواطنين أنفسهم، قائلاً: "هل أنت تريد التغيير أم تريد أن تشاهده؟ إذا كنت تريد أن تشارك في التغيير انزل وقول صوتك".
مصطفى بكري: نريد أن نرى وجوهًا وطنية اختفت
في السياق، دعا الإعلامي مصطفى بكري، إلى فتح المجال العام أمام المعارضة الوطنية، ومواجهة الفساد وكل ما يمس أمن واستقرار واقتصاد البلاد.
وقال: "فلنُفتح الزهور، ولنترك المعارضة تتكلم، ولنبدأ في دفع الأحزاب نحو مزيد من البناء، ولنبني حياة سياسية قوية، ولنغير كل من قصّر في عمله".
وأضاف: "ليكن عام 2026 هو عام الثورة، على كل ما يمس أمن واستقرار واقتصاد البلد، ثورة على الفساد، ثورة على الظالمين، ثورة على أي شخص يقدم نفسه على أنه مركز قوة وهو خارج على القانون أو الدستور، ثورة على من تحالفوا ضد الوطن، ثورة على كل من يبيع الوطن بالدولار والدينار، ثورة على كل خائن، ثورة على كل من يسعى إلى التشكيك في كل شيء".
وأشار إلى أن "مصر هي الحرية بلا أي كبت قمع أو ضغط أو سجن"، متابعًا: "مصر الغلابة، يحتاجون دائما تدخلك، ورفع عبء الأسعار عن كاهلهم، وأن يعيشوا عيشة كريمة في ظل عهدك، وأن تعود الطبقة الوسطى مرة أخرى إلى وهجها ودورها التنويري، وإلى تعليم يُفضي إلى علماء، يقفز على كل الأزمات والمشاكل، وإلى قضاء محمي دائما بالقانون والدستور، وإلى أشخاص نريد أن نراهم، وجوه وطنية اختفت نريد أن نراها".
الديهي: أوعوا تنتخبوا واحد علشان فلوسه
أما الإعلامي نشأت الديهي فقد حذر الناخبين من اختيار أي مرشح اعتمادًا على قدراته المالية، قائلًا: "أوعوا تنتخبوا واحد علشان فلوسه"، مؤكدًا ضرورة اختيار من يمتلك الموضوعية والقدرة على خدمة الدولة أو المؤسسة التي سيقودها.
وعلق على رسالة السيسي إلى الهيئة الوطنية للانتخابات بشأن متابعة المخالفات التي شهدتها بعض اللجان الانتخابية خلال انتخابات المرحلة الأولى، قائلاً: "هذه سابقة لم تحدث الحدث جلل ومهم ورسالة قبل المرحلة الثانية من الانتخابات وأنا متفائل أنها ستكون خالية من كل الموبقات السياسية والانتخابية".
وأضاف "لأن الناخب أو المرشح أو المندوب أو المراقب عرفوا أن فيه قرارات مؤلمة يمكن أن تتخذها الهيئة الوطنية للانتخابات وفوق ذلك فيه رأس الدولة الذي يأخذ قرارات ورئيس الدولة ليس بصفته رئيس الدولة التنفيذية ولكن بصفته الدستورية في حالة وجود خطر لتزييف إرادة الناخبين".
وتابع "وما جرى اليوم يرفع من قيمة العمل السياسي في مصر، مش عيب أننا نغلط ولكن العيب أننا نستمر فيه، وكلمات الرئيس أنه قال للهيئة اشتغلوا واعملوا الصح وهذا ما نفذته الهيئة بعد إلغائها لنتيجة الانتخابات في عدد من الدوائر الانتخابية".
لكن يبقى السؤال الأهم الذي لم يتطرق إليه أي من هؤلاء الإعلاميين حول نوعية المعارضة المطلوبة، هل هي المعارضة الديكورية، التي يراد منها إظهار التنوع شكلاً دون تأثير على طبيعة شكل وأداء البرلمان؟، أم المعارضة المطلوب منها القيام بدورها في مساءلة السلطة التنفيذية، والكشف عن القصور والفساد في أركان ومؤسسات الدولة؟.
بطبيعة الحال، الأنظمة الاستبدادية لن تقبل بوجود معارضة حقيقية، وإلا لكانت سمحت لها بالتعبير عن آرائها دون ملاحقة، أو اتهامات تنال من حرياتهم، والأمثلة على ذلك كثيرة لساسة ومعارضين حقيقيين تم الزج بهم في غياهب السجون، لأنهم تجرأوا وعارضوا النظام بكل وضوح وبلا مواربة، على غير ما يريده من معارضة "صورية" ظاهرها الاختلاف معه، وباطنها التوافق معه في بطشه وفساده.

