في تصعيد أمني لافت يعكس قلق السلطات الإيرانية من التحولات الاجتماعية والدينية في الداخل، شنت الأجهزة الأمنية والمخابراتية (إطلاعات) حملة قمع واسعة وممنهجة استهدفت عشرات من أهل السنة و"المتسنين" (المتحولين من المذهب الشيعي إلى السني) في منطقة الأحواز (محافظة خوزستان)، جنوب غربي البلاد. الحملة التي اشتدت وتيرتها خلال الأشهر الأخيرة لم تقتصر على الاعتقال، بل وصلت حد تنفيذ أحكام الإعدام وإصدار أحكام قاسية بالسجن، في محاولة لوأد ما تصفه طهران بـ"المد الوهابي"، بينما يراه النشطاء العرب "حراكًا عقائديًا يبحث عن الهوية".

 

شبح الإعدام يخيّم على الدعاة

 

ووفقًا لمعلومات وردت من مصادر حقوقية ونشطاء من داخل الإقليم، فقد شهد الشهر الماضي تنفيذ السلطات الإيرانية أحكام إعدام بحق عدد من الدعاة والنشطاء الدينيين، في تكتم إعلامي شديد. وتأتي هذه الإعدامات كرسالة ترهيب واضحة للشارع الأحوازي، بالتزامن مع حملة اعتقالات طالت رموزًا دينية محلية وشبانًا عُرفوا بنشاطهم الدعوي في الأحياء الشعبية.

 

ولم تتوقف الماكنة القضائية عند هذا الحد، إذ أصدرت المحاكم الثورية في الأحواز خلال الشهر الجاري حزمة جديدة من أحكام السجن لمدد طويلة بحق عدد كبير من المعتقلين، بتهم معلبة تتراوح بين "الدعاية ضد النظام" و"تهديد الأمن القومي" و"نشر العقائد المنحرفة"، وهي التهم الجاهزة التي تُلصق عادة بكل من يغرد خارج السرب المذهبي الرسمي للدولة.

 

"المتسـنّون".. الهاجس الأمني لطهران

 

التركيز الأمني على "المتسنين" أو "المهتدين" – كما يطلقون على أنفسهم – يكشف عن عمق الأزمة التي يعيشها النظام في الإقليم ذي الغالبية العربية. فالسلطات في طهران لا تنظر إلى قضية التحول المذهبي في الأحواز باعتبارها حرية اعتقاد شخصية، بل تعتبرها "حركة سياسية بامتياز" تهدف لتعميق الهوة بين الإقليم والمركز، ومقدمة لمشاريع انفصالية.

 

وتشير التقارير إلى أن حملة الاعتقالات الأخيرة ركزت بشكل خاص على "الدعاة الميدانيين" الذين يملكون تأثيرًا اجتماعيًا، والذين نجحوا في استقطاب أعداد من الشباب. هذا النشاط تعتبره طهران تهديدًا لأمنها "الأيديولوجي" في منطقة تعد شريان الحياة الاقتصادي للبلاد، مما يفسر استخدام "القبضة الحديدية" بدلاً من المعالجات الفكرية أو الحوار.

 

أقبية التعذيب وانتزاع الاعترافات

 

الجانب الأكثر قتامة في هذه الحملة يتمثل فيما تسرب من أنباء حول الظروف المروعة التي يعيشها المعتقلون. فقد أكدت مصادر حقوقية تعرض الدعاة المعتقلين لعمليات تعذيب جسدي ونفسي شديدة داخل أقبية المخابرات، بهدف انتزاع اعترافات قسرية وتصويرهم كمرتبطين بجهات خارجية.

 

التعذيب الممنهج يهدف، بحسب مراقبين، إلى كسر إرادة هؤلاء الدعاة وإجبارهم على الظهور في "اعترافات متلفزة" لتدين أنفسهم وتشويه صورتهم أمام مجتمعهم، وهو أسلوب دعائي دأبت الأجهزة الأمنية الإيرانية على استخدامه منذ عقود.

 

في المحصلة، تبدو الحملة الحالية في الأحواز محاولة يائسة من النظام لفرض "الهندسة المذهبية" بالقوة، واستخدام المشانق والسجون كسدود لوقف تيار التحول الديني الذي بات يُقلق طهران أكثر من أي وقت مضى، وسط صمت دولي يغيب فيه ملف الأقليات في إيران عن طاولات المفاوضات الكبرى.