ثماني سنوات كاملة مرّت وما يزال المهندس الشاب محمود عصام محمود أحمد خطاب طيَّ الغياب، بعد أن اعتُقل من منزله بمحافظة القاهرة في السادس من ديسمبر 2017، في واقعة وثّقتها الشبكة المصرية لحقوق الإنسان باعتبارها نموذجًا صارخًا للاعتقال التعسفي والاختفاء القسري المستمر دون انقطاع، وسط غياب أي معلومات رسمية عن مكان احتجازه أو مصيره حتى اللحظة.
اعتقال مباغت.. ووعود لم تتحقق
كان محمود، البالغ من العمر آنذاك 26 عامًا، حديث الزواج؛ إذ لم يمر على دخوله عش الزوجية سوى أربعة أشهر فقط. ورغم ذلك، وجد نفسه أمام مشهد درامي غيّر مسار حياته وحياة أسرته بالكامل. فبحسب شهادة والده، التي أدلى بها للشبكة الحقوقية، اقتحمت قوة أمنية بملابس مدنية المنزل بعنف شديد عند الثالثة عصرًا، وقامت بكسر باب الشقة واقتياد الشاب دون إبداء أسباب واضحة.
وعندما حاول الأب الاستفسار عن سبب القبض على ابنه، جاءه الرد المطمئن في ظاهره والمخيف في مضمونه: «إجراء روتيني.. وساعة زمن ويرجع». لكن الساعة تحولت إلى أيام، ثم أشهر، ثم سنوات طويلة بلا عودة، وبلا أي اتصال أو رسالة أو معلومة رسمية عن مكان وجوده.
ثماني سنوات من البحث بلا دليل
يروي الأب المكلوم رحلة البحث المضنية: تردد على قسم الشرطة، ومقرات الأمن الوطني بالحي السادس وألماظة، وقدم شكاوى متعددة إلى النائب العام، ووزير الداخلية، والمحامي العام، دون أن يلقى ردًا. كما بحث في المستشفيات والمشرحة وكل مكان قد يقوده إلى طرف خيط، لكن «المجهول» ظل الإجابة الوحيدة.
ويؤكد الأب أن ابنه لم يكن مطلوبًا على ذمة أي قضية، ولا ينتمي لأي تيار سياسي، ولم يكن له خلافات أو عداوات، بل كان معروفًا بالالتزام والصلاح في محيطه. وأضاف بأسى: «ابني كل ذنبه أنه محافظ على الصلاة! هل هذا يعاقَب عليه؟».
منذ ذلك اليوم – 6 ديسمبر 2017 – إلى الآن، لم ترَ الأسرة محمودًا ولم تسمع عنه شيئًا. ترك المنزل مرتديًا جلبابًا خفيفًا، ولم يعد.
خوف متجدد.. ومصير مجهول
تعبر الأسرة اليوم عن خوف بالغ من احتمال تعرضه لانتهاكات جسيمة أو تلفيق اتهامات بعد إخفائه لفترة طويلة، خاصة مع استمرار الصمت الرسمي بشأن مكانه أو وضعه القانوني، وهو ما يزيد من قلق الزوجة وطفله الصغير «محمود» الذي جاء إلى الدنيا دون أن يرى أباه ولو مرة واحدة.
موقف الشبكة المصرية لحقوق الإنسان
طالبت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان السلطات – وعلى رأسها النائب العام – بالكشف الفوري عن مصيره ومكان احتجازه، مؤكدة أن استمرار الإخفاء القسري يعد جريمة يحاسب عليها القانون المحلي والدولي.
كما شددت الشبكة على ضرورة إخلاء سبيله فورًا إن لم يكن متهمًا، أو تقديمه إلى جهة تحقيق مختصة إذا كانت هناك قضية تتعلق به، مشيرة إلى أن بقاء مواطن مخفيًا لثماني سنوات دون إجراءات قانونية يمثل انتهاكًا خطيرًا لحقوق الإنسان.
دعوة لإنهاء سياسة الإفلات من العقاب
نددت الشبكة بما وصفته بـ«التوسع في الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري بحق مدنيين أبرياء»، مؤكدة أن هذه الممارسات أصبحت نمطًا متكررًا يتطلب وقفًا فوريًا وشفافًا، إلى جانب محاسبة المسؤولين عنها، حماية لسيادة القانون ولحقوق المواطنين.

