المصريين في "الوعي المجتمعي"، بينما بلاد تغرق في 161 مليار دولار من الديون الخارجية وحدها. الرجل الذي حول مصر إلى دولة مستدينة بامتياز، يطالب الشعب الآن بـ"الوعي" لحل أزمة صنعتها يداه على مدار أكثر من عشر سنوات من في مشهد ساخر يختزل عقدًا من الفشل الاقتصادي والتخبط السياسي، يخرج قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي من أكاديمية الشرطة ليلقي درسًا على الحكم الفاشل. ليس هذا فحسب، بل يصف عدد السكان الـ106 ملايين بأنه "قوة تضاف إلى إمكانات الدولة"، في الوقت الذي يعاني فيه ثلثا هؤلاء السكان من الفقر المدقع والبطالة المتزايدة. هذه ليست مجرد مفارقة، بل هي فضيحة سياسية واقتصادية كاملة.
خرافة الـ50 تريليون: رقم يكشف عجز النظام
يعلن السيسي بكل جرأة أن مصر تحتاج إلى 50 تريليون جنيه سنويًا لتلبية احتياجات الدولة دون اقتراض، بينما موازنة العام المالي 2025/2026 لا تتجاوز 4.6 تريليون جنيه. هذا الفارق الهائل بين الواقع والمطلوب (أكثر من عشرة أضعاف) يكشف بوضوح عمق الفشل الاقتصادي الذريع الذي قاد البلاد إليه. كيف يمكن لرئيس يدعي أنه "يبني دولة" أن يعترف بأن موازنته لا تصل حتى إلى 10% مما تحتاجه البلاد حقيقة؟
الأدهى من ذلك، أن السيسي يلقي باللوم على "عدم كفاية الموارد" منذ السبعينيات، متجاهلًا أن ديون مصر تضاعفت في عهده وحده بنسبة تجاوزت 1600%، من 705 مليار جنيه في نهاية عهد مبارك إلى 12.5 تريليون جنيه بنهاية 2024. هذه القفزة الجنونية في الديون جعلت مصر تسدد 20.3 مليار دولار في النصف الثاني من 2025 فقط، مع التزامات خارجية تتجاوز 43 مليار دولار سنويًا. ولكن بدلًا من الاعتراف بسوء إدارته، يطالب السيسي الشعب بـ"الوعي" وكأن المصريين هم المسؤولون عن هذه الكارثة.
دعم البوتاجاز: ذريعة لتبرير رفع الأسعار
في محاولة يائسة لتبرير سياساته الاقتصادية الفاشلة، يستعرض السيسي أرقام الدعم: 30 مليار جنيه للبوتاجاز فقط، و600 مليار جنيه لإجمالي الدعم من وقود وخبز وكهرباء وسلع تموينية. ولكن هذا الاستعراض ليس إلا تمهيدًا لموجة جديدة من رفع الأسعار والإجراءات التقشفية القاسية التي ستزيد من معاناة الفقراء. السيسي نفسه يعترف: "أنا غليت غصب عني مش عايز الدين يزيد"، في إقرار صريح بأن سياساته التقشفية التي تضرب الطبقات الفقيرة والوسطى ليست "إصلاحات اقتصادية"، بل هي محاولات يائسة لسداد الديون التي تراكمت بسبب سوء الإدارة والفساد.
المفارقة المدهشة أن السيسي يتحدث عن 30 مليار جنيه لدعم البوتاجاز (حوالي 600 مليون دولار)، بينما تنفق دولته المليارات على مشاريع عملاقة غير ذات جدوى اقتصادية وقصور رئاسية وعاصمات إدارية جديدة. الدعم الموجه للفقراء يُعتبر "عبئًا" يجب التخلص منه، بينما الإنفاق على المشاريع الاستعراضية يُعتبر "تنمية" و"بناء دولة". هذا هو منطق نظام فاشل يرى في الفقراء عبئًا ويتعامل مع احتياجاتهم الأساسية كرفاهية يجب التخلي عنها.
السكان "قوة"؟ كذبة في وجه الأرقام
يصف السيسي عدد السكان الكبير بأنه "قوة تضاف إلى إمكانات الدولة"، في تناقض صارخ مع خطابه المعتاد عن "الزيادة السكانية" كأحد أسباب الأزمات. فكيف يتحول العدد السكاني من "مشكلة" إلى "قوة" فجأة؟ الحقيقة أن هذا التلاعب اللفظي يهدف لتحميل الشعب مسؤولية الفشل الحكومي، بينما الواقع يكذّب هذه الدعاية تمامًا.
الأرقام الرسمية تكشف ارتفاع معدل البطالة إلى 6.4% في الربع الثالث من 2025، بزيادة 175 ألف متعطل جديد. وتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل معدل البطالة إلى 7.3% خلال العام المالي 2025/2026. هذا في الوقت الذي يتدهور فيه مستوى معيشة حتى الطبقة الوسطى، ويعاني ثلثا السكان من الفقر. فكيف يكون السكان "قوة" بينما ملايين الشباب عاطلون عن العمل، والتضخم يلتهم مدخرات الأسر، وأسعار السلع الأساسية في ارتفاع مستمر؟
الحقيقة المرة أن النظام فشل في تحويل "الموارد البشرية" إلى قوة منتجة، وبدلًا من الاعتراف بهذا الفشل، يقدم خطابًا مراوغًا يحمّل المواطنين مسؤولية الأزمة ويطالبهم بـ"الوعي". هذا هو منطق نظام يتهرب من مسؤولياته ويبحث دومًا عن كبش فداء.
ديون بلا نهاية: السيسي يحطم كل الأرقام القياسية
بلغ الدين الخارجي لمصر 161.23 مليار دولار بنهاية يونيو 2025، بزيادة تجاوزت 300% مقارنة ببداية حكم السيسي. هذا الرقم المرعب يعني أن السيسي جلب ديونًا خارجية في عشر سنوات تفوق ما اقترضه خمسة رؤساء مصريين سابقون في 60 عامًا. أما الدين العام (المحلي والخارجي)، فقد قفز من 705 مليار جنيه في نهاية عهد مبارك إلى 12.5 تريليون جنيه، بزيادة 1600%. هذه الأرقام الصادمة تكشف أن السيسي لم يكتف بإفلاس الدولة، بل رهن مستقبل أجيال قادمة لعقود من الديون والفوائد.
الفساد المستشري: الأرقام تفضح النظام
بينما يتحدث السيسي عن "الشفافية" و"التخطيط المتوازن"، كشف رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق هشام جنينة عن فساد بمليارات الجنيهات داخل المؤسسات الحكومية. وكان رد النظام على هذه الفضائح هو عزل جنينة وسجنه خمس سنوات بتهمة "بث أخبار كاذبة"، بينما دخل الجهاز المركزي للمحاسبات في "سبات عميق" منذ ذلك الحين. هذا هو نهج النظام في التعامل مع الفساد: إسكات الشهود وليس محاسبة الفاسدين.
سياسات تقشفية قاسية: الفقراء يدفعون الثمن
رغم كل الحديث عن "رفع مستوى معيشة المواطنين"، فإن الواقع يقول العكس تمامًا. سياسات السيسي التقشفية، التي فُرضت بأوامر من صندوق النقد الدولي، أدت إلى تدهور مستوى معيشة الطبقات الفقيرة والوسطى بشكل درامي. تعويم الجنيه المتكرر، رفع أسعار الوقود والكهرباء، تقليص الدعم، فرض ضرائب إضافية على كل شيء من السلع الاستهلاكية إلى الخدمات الأساسية، كل هذه الإجراءات ضربت الفقراء في مقتل.
الخبراء الاقتصاديون يؤكدون أن "أفضل سيناريو لمعظم المصريين سيتمثل في أن التدهور في مستوى معيشتهم الاقتصادي سيتباطأ. لكنه لن يتحسن. سوف يزداد الأمر سوءًا، ولكن ببطء أكثر". هذا هو مستقبل المصريين تحت حكم السيسي: تدهور مستمر في مستوى المعيشة، مع وعود كاذبة بـ"الإصلاح" و"التنمية". والأخطر أن المساعدات النقدية للفقراء أقل بكثير من احتياجاتهم الفعلية، مما يعني أن ملايين المصريين سيواصلون الغرق في الفقر دون أي شبكة أمان حقيقية.

