مرة أخرى، تدفع الأسواق المصرية الثمن الباهظ لقرارات عبثية تصدرها حكومة الانقلاب، هذه المرة بحظر استيراد السكر المكرر لمدة ثلاثة أشهر، ما أدى إلى ارتفاع جنوني في الأسعار تجاوز 30 جنيهًا للكيلو، في ظل غياب أي رقابة حقيقية أو عدالة في التسعير.

 

القرار الذي ادعت الحكومة أنه لحماية الإنتاج المحلي، كشف عن تحالف واضح بين السلطة وكارتيلات السكر المحتكرة للسوق، والتي سارعت إلى رفع الأسعار وتعليق العروض فور صدور القرار، وسط صمت رسمي مخزٍ، يدفع ثمنه المواطن والمصانع على حد سواء.

 

حظر الاستيراد... قرار مفخخ لخدمة المحتكرين

 

في الوقت الذي كانت السوق المصرية تبدأ بالتعافي التدريجي من أزمة السكر التي انفجرت أواخر 2023، اختارت حكومة الانقلاب أن تفجّر الأزمة من جديد بيدها، من خلال قرارها بحظر استيراد السكر المكرر.

 

القرار الذي تم الترويج له على أنه "خطوة لحماية الإنتاج الوطني" سرعان ما كشف عن وجهه الحقيقي: تحرير السوق تمامًا لنهش الكبار واستغلال غياب المنافسة لمضاعفة الأرباح على حساب المواطنين.

 

النتيجة الفورية كانت قفزة سعر السكر من 24 جنيهًا إلى ما بين 27 و30 جنيهًا خلال أيام، وهي زيادة غير مبررة اقتصاديًا بل ناتجة فقط عن غياب المنافس المستورد، كما صرح بذلك رئيس شعبة السكر حسن الفندي.

 

شركات السكر لم تنتظر، وسارعت برفع سعر الطن المخصص للمصانع إلى 27 ألف جنيه، بعد أن كان بـ24 ألفًا فقط قبل أسبوع.

 

التموين تغسل يدها.. وتبرر للكارتيلات

 

بينما يئن السوق من الجشع وغياب العدالة، اختارت وزارة التموين مجددًا دور "المشاهد" الذي يكتفي بالتبرير، حيث أشار مصدر مطلع بالوزارة إلى أن الشركات تسعى فقط "للاستفادة من الحظر وعدم وجود منافسة".

 

تصريح يؤكد أن الحكومة تعرف وتدرك حجم الاحتكار، لكنها تغض الطرف عن الفاعلين فيه، أو بالأحرى تشاركهم في رسم المشهد.

 

والمفارقة أن نفس الوزارة كانت قد استنجدت بالاستيراد في مارس 2024 حين قفز سعر السكر إلى 50 جنيهًا، في اعتراف صريح بفشل الإنتاج المحلي في ضبط السوق، فهل نسيت الوزارة هذا الدرس سريعًا؟ أم أن قرار الحظر هذه المرة ليس سوى صفقة جديدة مع لوبيات الإنتاج المحلي؟

 

الحكومة تصنع الأزمة ثم تدّعي معالجتها

 

ما حدث يعيد سيناريوهات متكررة في دولة الحكم العسكري: صناعة أزمة اقتصادية عبر قرارات مفاجئة، ثم استغلالها سياسياً وإعلامياً لإظهار النظام كمنقذ. والنتيجة دائماً واحدة: المواطن يدفع الفاتورة، والشركات المرتبطة بالنظام تحصد الأرباح.

 

بكل وضوح، فإن قرار حظر استيراد السكر لا يخدم إلا المصانع الكبرى والتجار الكبار الذين يتحكمون في السوق، ويمتصون جيوب المصريين يومًا بعد يوم.

أما صغار المصنعين ومصانع المنتجات الغذائية، فباتوا يعانون من ارتفاع أسعار المادة الخام، مما سيؤدي بالضرورة إلى رفع أسعار كافة المنتجات الغذائية المرتبطة بالسكر، من الحلويات وحتى المربى والمخبوزات.

 

غياب الرقابة.. الدولة شريك في الاحتكار

 

لا يمكن فصل ما يحدث عن غياب كامل للرقابة على الأسواق، سواء من جانب التموين أو جهاز حماية المنافسة، أو حتى الجهات الرقابية الاقتصادية.

فالشركات توقفت عن تقديم أي عروض بعد القرار، في مؤشر واضح على التنسيق بينها وغياب التنافس، ومع ذلك لا تحرك الحكومة ساكنًا.

 

الأسوأ من ذلك، أن مؤسسات الدولة لا تزال تروج لأسطورة "تحسن السوق تدريجيًا" رغم أن الأسعار تواصل الصعود، والمواطنون يواجهون عبئًا مضاعفًا على موائدهم.

وكأن المطلوب هو تطبيع الأزمة وفرضها كأمر واقع لا مفر منه.

 

ختامًا فإن من يفقر الناس لا يحكمهم بشرعية وما جرى في سوق السكر هو نموذج مصغر لما تعانيه مصر في ظل حكم الانقلاب العسكري: اقتصاد محاصر، قرارات مرتجلة، تحالفات خفية مع الكبار، وشعب مغلوب على أمره يُستخدم كوقود لتمويل فشل الدولة وانبطاحها أمام المحتكرين.

 

السكر ليس مجرد سلعة، بل عنوان لأزمة عميقة في إدارة الدولة، تفضح زيف الشعارات الرنانة عن دعم المواطن وحماية السوق. وحين تصبح الحكومة طرفًا في الأزمة بدل أن تكون حلاًّ لها، فاعلم أن الدولة تُدار بمنطق العصابات، لا بمنطق المؤسسات.

 

المواطن اليوم لا يواجه فقط ارتفاعًا في سعر كيلو السكر، بل يواجه منظومة كاملة من النهب الممنهج، والتجويع المقصود، والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للناس، في ظل سلطة لا ترى في الشعب إلا رقمًا في قوائم الجباية، لا في أولويات القرار.