تعرضت غزة لمنخفض جوي فاقم الوضع اللا إنساني الذي يعيشه سكان القطاع، بعد أن تسببت حرب الإبادة الجماعية التي شنها الكيان الصهيوني على مدار عامين في تشريد غالبيتهم، وجعلتهم يتخذون من الخيام المهترئة مسكنًا لا يقيهم حر الصيف ولا يحميهم من برد الشتاء.

 

كان المشهد أكثر ماسأوية مما توصفه الكلمات، وتحكيه الروايات، حتى بات الموت هو الملاذ الذي يبحث عنه الجميع علهم يجدون فيه الراحة المفقودة، كما هو حال الطفل الغزي الذي وقف تحت المطر داخل خيمته، لا حول له ولا قوة،، وهو يصرخ: "خُذنا يا الله".

 

صرخة تختزل المأساة التي يعانيها أهالي غزة، في ظل وضع هو أقرب إلى الموت منه إلى الحياة، تعبر بكل الوجع والانكسار عن الحالة التي وصل إليها هذا الطفل وغيره ممن عانوا ولا زالوا آثار العدوان الصهيوني.

 

صرخة يأس

 

إنها صرخة اليأس من ذلك العالم الذي وقف يشاهد أقرانه وهم يتساقطون واحدًا تلو الآخر دونما ذنب ارتكبوه، أو جريمة فعلوها، لم يهنأوا بحياة أو يفرحوا بطفولتهم، فقط لأنهم من غزة، وما أدراك ما غزة.

 

هدأت الحرب لم تكن تنتهي ويلاتها، ولم تتوقف تداعياتها، حيث غمرت مياه الأمطار الخيام، وجرفت معها ما تبقى من أغطية ومقتنيات ومأوى بالكاد كان يقيهم قسوة الأيام، لتتحول إلى برك من الطين إثر الأمطار الغزيرة التي ضربت قطاع غزة خلال اليومين الماضيين.

 

 

 

لم يملك النازحون ما يعينهم على مواجهة الأمطار الغزيرة التي أحالت الحياة في غالبية مناطق القطاع إلى وضع زاد من حجم وصعوبة الأوضاع، وجعلت آلاف العائلات بلا مأوى يحميها من البرد والرياح.

 

يأتي هذا وسط استمرار الخروقات "الإسرائيلية" من قصف وغارات ونسف للمنازل في شمالي القطاع وجنوبه، خاصة في رفح.

 

 

منع إدخال مواد الإيواء

 

وفي ظل هذه المعاناة، تواصل سلطات الاحتلال منع إدخال مواد الإيواء من خيام وبيوت متنقلة، بالمخالفة لنص اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الماضي.

 

وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إن نحو 1.5 مليون نازح يعيشون داخل خيام تالفة، 93 بالمائة منها لم تعد صالحة للسكن، بواقع 125 ألف خيمة من أصل 135 ألفًا.

 

وخلال عامين من حرب الإبادة، أصبحت عشرات آلاف الخيام غير صالحة للعيش فيها جراء القصف "الإسرائيلي"، وبسبب عوامل الطبيعة من حرارة الشمس المرتفعة صيفًا والأمطار والرياح شتاء.

 

 

250 ألف خيمة و100 ألف كرفان

 

وشدد الإعلام الحكومي على أن الواقع الإنساني الكارثي يعكس حاجة ملحّة لنحو 250 ألف خيمة، و100 ألف كرفان لتوفير مأوى مؤقت للنازحين الذين يحتمون في منازل آيلة للسقوط هرباً من غرق الخيام بمياه الأمطار أو اقتلاعها بسبب الرياح.

 

وقالت بلدية غزة، إن معاناة سكان القطاع تتفاقم بسبب المنخفض الجوي والأوضاع كارثية، عقب غرق خيام النازحين المهترئة.

 

وأضافت، أن شبكات تصريف الأمطار مدمرة في القطاع، ما يتسبب بطفح المياه العادمة.

 

وحذرت بشدة من أن المياه العادمة والنفايات تجتاح المنازل ومراكز الإيواء، مطالبة بتدخل دولي عاجل لمعالجة الوضع، وقالت: “لدينا مخططات لمكافحة المنخفضات الجوية ومساعدة الناس لكن ليس لدينا معدات للقيام بذلك”.

 

 

90 بالمائة من البنية التحتية المدنية مدمرة 

 

وأكدت أن قطاع غزة بحاجة ماسة لمساكن مؤقتة وخيام ومواد البناء والوقود لمساعدة الناس.

 

ومع غرق الخيام الحالية، لا تتوفر أي بدائل للإيواء في ظل دمار طاول 90 بالمائة من البنية التحتية المدنية وتقدّر خسائره الأولية بـ70 مليار دولار.

 

وأعلن جهاز الدفاع المدني الفلسطيني أن عشرات الخيام غرقت في منطقة المواصي، وأن فرقه تكافح منذ الجمعة للتعامل مع حالات غرق مماثلة في مختلف مناطق جنوب القطاع.

 

ويأتي ذلك بالتزامن مع منخفض جوي مصحوب بكتلة هوائية باردة وأمطار غزيرة ورياح قوية، من المتوقع انحساره مساء الأحد وفق الأرصاد الجوية الفلسطينية.

 

وحذّرت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، من تفاقم الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة مع اشتداد الأمطار الغزيرة.

 

 

إدخال المساعدات الإنسانية دون أي عراقيل

 

وأشارت إلى أن آلاف العائلات النازحة باتت تلجأ إلى أي مساحة متاحة للاحتماء، بما في ذلك الخيام المؤقتة التي لا توفر أدنى مقومات الحماية.

 

وتقول الأونروا، إن الاحتياجات الملحّة للمأوى تتزايد بشكل كبير، في ظل العجز عن توفير خيام ومستلزمات تقي السكان موجات البرد والأمطار، مشددة على ضرورة السماح لها بإدخال المساعدات الإنسانية دون أي عراقيل.

 

وأوضحت أن المنخفض الجوي الحالي يفاقم حالة الطوارئ القائمة أصلًا، إذ تتعرض الخيام للتمزق والانهيار أمام الأمطار المتواصلة والرياح العاتية، ما يهدد حياة مئات الآلاف من النازحين الذين فقدوا منازلهم جراء الحرب.

 

ولفتت المنظمة الأممية إلى أن هناك تحركات دولية متصاعدة للضغط على إسرائيل من أجل السماح بدخول مساعدات الإغاثة إلى القطاع، في وقت يتعرض فيه النازحون لأزمة متشابكة تشمل غرق الخيام، وتضرر المساكن المدمرة، وتراجع القدرة على الحصول على المستلزمات الأساسية.