في اليوم الـ34 من اتفاق وقف إطلاق النار، تواصل إسرائيل انتهاك الهدنة الهشة التي لم تحترمها يومًا، فيما تغرق غزة في كارثة إنسانية غير مسبوقة، وتتحول الضفة الغربية إلى مسرح مفتوح للتهويد، والإعدامات الميدانية، وهجمات المستوطنين.
الاحتلال لا يزال يشن غارات جوية على شمال وجنوب قطاع غزة، بينما تُحاصر المساعدات الإنسانية عند بوابات الموت، ويقف العالم متفرجًا على جريمة مستمرة منذ أكثر من عامين، تخلّلتها آلاف المجازر المدعومة سياسيًا وعسكريًا من الولايات المتحدة وحلفائها.
هذه ليست "تهدئة"، بل استراحة للقاتل، يستعد فيها لمرحلة ثانية من السيطرة والضم والقتل البطيء، في ظل غطاء دولي خجول، وصمت عربي مهين.
 

غارات رغم الهدنة: "وقف إطلاق النار" مجرد خدعة إعلامية
رغم مرور أكثر من شهر على إعلان وقف إطلاق النار بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، لم تتوقف الغارات والقصف اليومي.
ففي الساعات الأخيرة، قصفت طائرات الاحتلال مناطق في بيت لاهيا، ومحيط مدينة غزة، وخان يونس جنوب القطاع، ما أسفر عن سقوط شهداء وجرحى، وتدمير واسع لممتلكات المدنيين.
وقف إطلاق النار، الذي أُعلن عنه برعاية دولية، بات مجرد واجهة إعلامية ترفعها إسرائيل أمام المجتمع الدولي، بينما تواصل على الأرض جريمة ممنهجة ضد السكان العزّل.
الضفة الغربية: الأرض تُسرق تحت تهديد السلاح
 

بعيدًا عن غزة، لا تقل الضفة الغربية اشتعالاً.
في نابلس، بدأت جرافات المستوطنين بتوسيع بؤرة استيطانية جديدة على جبل النجمة في بلدة قريوت، وسط حماية كاملة من جيش الاحتلال، وتجاهل تام للقانون الدولي.
وفي جنين، أُصيب شابان فلسطينيان بالرصاص خلال اقتحام قوات الاحتلال بلدة قباطية، ضمن سلسلة مداهمات واعتقالات متكررة في المدن والقرى الفلسطينية، بينما يتعرّض المدنيون للضرب والتنكيل على يد المستوطنين كما حدث في قرية عرب الرشايدة جنوب بيت لحم.
كل هذا يجري تحت عين المجتمع الدولي الذي يتحدث عن “حل الدولتين” و“السلام العادل”، بينما تسير إسرائيل بخطى ثابتة نحو فرض أمر واقع استعماري على كامل الأرض الفلسطينية.
 

غوتيريش: تصريحات باهتة لا توقف المجازر
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قال إن وقف إطلاق النار في غزة لا يزال قائمًا رغم انتهاكه مرارًا، داعيًا للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، والتي تشمل تثبيت التهدئة، ونشر قوة استقرار دولية، وتهيئة الظروف لحل الدولتين.
لكن الواقع الميداني يكشف أن هذه التصريحات أضعف من أن توقف قصفًا أو تردع احتلالًا، في ظل استمرار منع المساعدات، واستمرار القصف، وتجويع ملايين المدنيين.
الأمم المتحدة، التي تقف عاجزة أمام خروقات الاحتلال، لم تفعل أكثر من إصدار بيانات إدانة تُمسح في اللحظة نفسها التي تُكتب فيها.
 

كارثة إنسانية: 90% من سكان غزة يعانون من الجوع
قال المستشار الإعلامي لـ"الأونروا"، عدنان أبو حسنة، إن نحو 90% من سكان قطاع غزة يعانون من سوء تغذية بدرجات مختلفة، بسبب القيود الإسرائيلية على دخول المواد الغذائية والطبية ومستلزمات الإيواء.
معبر زيكيم شمالي غزة لا تزال مغلقًا أمام المساعدات، والخيام التي يعيش فيها النازحون تهترئ وتتفكك مع اقتراب فصل الشتاء، وسط نقص حاد في المياه والكهرباء وانتشار الأمراض الجلدية والهضمية والتنفسية.
ما يجري في غزة هو تجويع منظم لشعب بأكمله، بهدف تركيعه سياسيًا، تحت عنوان “حرب على الإرهاب”، بينما الحقيقة أن الاحتلال يستخدم الطعام والدواء كسلاح إبادة بطيئة.
 

"أطباء بلا حدود": الكارثة لم تتوقف... الاحتلال يمنع الدواء والماء والخيام
منظمة أطباء بلا حدود أكدت أن الوضع في غزة لا يزال كارثيًا حتى بعد مرور شهر على وقف إطلاق النار.
المنسقة كارولين سيجوين قالت إن الاحتلال يعرقل دخول الأدوية والمساعدات الصحية، ويمنع إدخال معدات الإيواء والنظافة، ما يجعل الشتاء القادم كارثة إنسانية محتومة.
"ما يعانيه سكان غزة اليوم كان يمكن تجنّبه بالكامل. هذه ليست أزمة طبيعية، بل صُنع إسرائيلي ممنهج ضد شعب بأكمله"، هكذا ختمت المنظمة تقريرها.
 

إسرائيل لم تتوقف عن القتل… فقط غيّرت أدواته
الحديث عن وقف إطلاق النار بينما تتواصل الغارات، وتُبنى المستوطنات، ويُحاصر الغذاء والدواء، هو تواطؤ دولي بدم بارد.

الاحتلال الإسرائيلي لم يتراجع، بل أعاد ترتيب أوراقه لمواصلة مشروعه الإجرامي بوسائل أكثر بطشًا وأقل ضجيجًا إعلاميًا.
وما لم يتوقف الدعم الغربي لهذه السياسة، ويُفرض عقاب حقيقي على جرائم الحرب، فإن غزة ستبقى تحترق، والضفة ستُنهب، والشعب الفلسطيني سيُدفن بين الركام، بينما العالم يواصل خداع نفسه بكلمة "هدنة".