ست سنوات كاملة مضت من عمر المصوّر الصحفي مصطفى محمد يوسف سعد، حُرم خلالها من حريته، ومن وداع والدته وشقيقه اللذين توفيا أثناء فترة احتجازه، ليبقى خلف القضبان محمّلًا بالوجع والحرمان، ينتظر قرارًا يعيد إليه حقه الإنساني في الحرية والعلاج.
مصطفى، البالغ من العمر نحو 44 عامًا، لم يكن يومًا ناشطًا سياسيًا، كما تؤكد أسرته. بل على العكس، كان من الداعمين للنظام الحالي، وصوّت لعبد الفتاح السيسي في انتخابات عام 2014. عرفه زملاؤه كمصور موهوب عمل في التلفزيون المصري لسنوات، قبل أن ينتقل إلى قناة الجزيرة القطرية ليواصل مسيرته المهنية كمصور أول (Senior Cameraman)، حيث شارك في إنتاج أفلام وثائقية عُرضت على قنوات عالمية مثل ناشيونال جيوغرافيك وفيتاك. كما أنه عضو في نقابة المهن السينمائية المصرية، ما يعكس مكانته المهنية والاعتراف الرسمي بعمله الإعلامي.
بداية المأساة.. اعتقال من المطار
تعود بداية الكارثة إلى 9 نوفمبر 2019، عندما تم القبض على مصطفى أثناء عودته إلى القاهرة قادمًا من الدوحة، في رحلة كان يظن أنها قصيرة لرؤية أسرته. ووفقًا لرواية العائلة، فقد تم احتجازه من قبل جهاز الأمن الوطني، وجرى التحقيق معه في قضية تحمل رقم 1365 لسنة 2018، بتهمة “الانضمام إلى جماعة إرهابية”.
قضى مصطفى نحو عامين كاملين داخل سجن طرة شديد الحراسة، في ظروف صعبة للغاية، قبل أن يتم ترحيله إلى سجن أبو زعبل، ثم لاحقًا إلى سجن العاشر من رمضان. وخلال هذه الفترة، حصل على قرار إخلاء سبيل في القضية الأولى، إلا أنّ فرحته لم تكتمل، إذ جرى تدويره مجددًا في قضية جديدة تحمل رقم 2215 لسنة 2021 (أمن دولة)، ليبدأ فصلًا جديدًا من الاحتجاز بلا نهاية واضحة.
تدوير متكرر رغم البراءة من التهم
تؤكد أسرته أن جميع المتهمين الذين شاركوه القضية الأولى قد تم إخلاء سبيلهم منذ فترة طويلة، بينما بقي هو الوحيد قيد الحبس، دون سبب قانوني واضح. هذا الاستمرار في الاحتجاز — رغم القرارات القضائية السابقة — يمثل، بحسب الحقوقيين، نمطًا متكررًا من التدوير الأمني الذي يُستخدم لإبقاء الصحفيين والنشطاء رهن الحبس التعسفي، رغم انتهاء مدد حبسهم القانونية.
تدهور صحي خطير وإهمال طبي ممنهج
لم تتوقف معاناة مصطفى عند حدود الحرمان من الحرية، بل تجاوزتها إلى الإهمال الطبي الخطير. فقد تدهورت حالته الصحية بشكل كبير خلال سنوات سجنه، إذ يعاني من قصور في الشريانين التاجيين الأيمن والأيسر، ما يهدد حياته بالخطر في أي لحظة، فضلًا عن إصابته بـالبواسير من الدرجة الثالثة التي تسبب له آلامًا مبرحة وتحتاج إلى تدخل طبي عاجل.
ورغم التقارير الطبية التي تؤكد حاجته إلى علاج متخصص خارج السجن، إلا أن إدارة السجن — بحسب إفادات أسرته — ترفض نقله إلى المستشفى أو توفير العلاج اللازم، في تجاهل صارخ للمعايير الإنسانية والحقوقية.
أكثر من 1740 يومًا من المعاناة
يكون مصطفى قد قضى أكثر من 1740 يومًا خلف القضبان، دون محاكمة عادلة أو حكم قضائي بات، وهو ما يجعل قضيته واحدة من أطول فترات الاحتجاز التعسفي لصحفي مصري في السنوات الأخيرة.
تقول شقيقته في تصريحات نقلتها منظمات حقوقية: “مصطفى لم يكن سياسيًا.. كان فقط صحفيًا يمسك بالكاميرا، يصوّر الحقيقة. لم يرفع سلاحًا، ولم ينتمِ لأي حزب، كل ما فعله أنه عمل في قناة الجزيرة، وهذا لا يُعد جريمة”.
مطالبات بالإفراج الفوري
في ظل استمرار احتجاز مصطفى وتدهور وضعه الصحي، طالبت منظمة هيومن رايتس إيجيبت السلطات بضرورة الإفراج الصحي العاجل عنه، مؤكدة أن استمرار حبسه “يشكل انتهاكًا جسيمًا لحقوق الإنسان ويمثل خطرًا مباشرًا على حياته”.
كما دعت المنظمة النقابات الصحفية والإعلامية إلى التضامن مع قضيته، معتبرة أن “ما يتعرض له مصطفى سعد هو اختبار حقيقي لمدى احترام السلطات لحرية الصحافة وحق الصحفيين في ممارسة عملهم دون خوف أو ملاحقة”.

