تتصاعد الضغوط على الحكومة البريطانية لوقف صادرات الأسلحة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وسط تقارير تفيد باستخدام معدات عسكرية بريطانية في الهجمات الوحشية التي نفذتها ميليشيا الدعم السريع السودانية (RSF) في مدينة الفاشر شمال دارفور، والتي أسفرت عن مجازر بحق المدنيين.
وطالب نواب من عدة أحزاب بريطانية — بينهم أعضاء في حزب العمال، الليبراليين الديمقراطيين، الخضر، الحزب الوطني الاسكتلندي، والتحالف المستقل — الحكومة بإجراء مراجعة فورية لسياسات تصدير السلاح إلى الإمارات، بعد الكشف عن تورط معدات بريطانية في الصراع الدموي الدائر في السودان.
معدات بريطانية في أيدي مرتكبي المجازر
جاءت هذه المطالب بعد أن كشفت تقارير إعلامية وأممية عن وجود أسلحة ومعدات بريطانية الصنع في أيدي ميليشيا الدعم السريع، المتهمة بارتكاب انتهاكات مروّعة في مدينة الفاشر، التي سيطرت عليها مؤخرًا بعد حصار دام أكثر من 500 يوم.
وذكرت تقارير أن الميليشيا أعدمت مئات المدنيين، بينهم 460 شخصًا داخل مستشفى واحد، في واحدة من أسوأ الفظائع منذ اندلاع الحرب.
ورغم نفي أبو ظبي تزويد الدعم السريع بالسلاح، تشير وثائق استخباراتية إلى أن الإمارات تواصل تزويد الميليشيا بأسلحة ومعدات عسكرية، بعضها من منشأ بريطاني، إضافة إلى استقدام مرتزقة من كولومبيا لدعم عملياتها.
تحقيقات تكشف خط إمداد من الصومال إلى السودان
وفي تحقيق استقصائي جديد، كشف موقع ميدل إيست آي أن قاعدة جوية في مدينة بوصاصو الصومالية تُستخدم لنقل شحنات إماراتية إلى السودان. ووفقًا لشهود، يتلقى مقاتلون من الدعم السريع العلاج داخل القاعدة، إلى جانب وجود مرتزقة أجانب.
دعوات برلمانية لتعليق الصادرات فورًا
النائبة مونيكا هاردينغ، من حزب الليبراليين الديمقراطيين، قالت إن مواصلة تصدير الأسلحة للإمارات "بلا ضمانات مطلقة بعدم استخدامها في جرائم الحرب" تمثل خطرًا أخلاقيًا كبيرًا. وأضافت: "يجب وقف مبيعات الأسلحة فورًا، فالمعدات المصنّعة على الأراضي البريطانية لا يجوز أن تساهم في ارتكاب الفظائع."
أما إيلي تشاونز، المتحدثة باسم حزب الخضر في الشؤون الخارجية، فشددت على أن "الاستمرار في تسليح الإمارات بينما تُستخدم هذه الأسلحة في مذابح جماعية هو تقاعس خطير عن المسؤولية". ودعت إلى تعليق شامل لجميع صادرات الأسلحة حتى يتم التحقق من وجهتها النهائية.
تجاهل حكومي يثير الغضب
أمام البرلمان، تجنبت وزيرة الخارجية يفيت كوبر الإجابة المباشرة عن سؤال بشأن تعليق صادرات السلاح للإمارات، واكتفت بالقول إن بريطانيا "تطبق ضوابط صارمة جدًا". لكن هذا الرد لم يكن كافيًا لعدد من النواب، أبرزهم النائبة العمالية ابتسام محمد، التي قالت إن على بريطانيا أن "تتحرك فورًا لمحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب، خاصة بصفتها الدولة المسؤولة عن الملف السوداني في مجلس الأمن."
وأشارت محمد إلى تقارير أظهرت استمرار منح تراخيص تصدير عسكرية للإمارات، بما في ذلك أجهزة تصويب متطورة عُثر عليها في مواقع تابعة للدعم السريع في الخرطوم وأم درمان.
المصداقية الدولية على المحك
النائبة العمالية كيم جونسون أكدت أن "التغاضي عن استخدام الأسلحة البريطانية في صراعات دموية يقوّض صورة بريطانيا الدولية". فيما قال زميلها عمران حسين إن الحكومة مطالبة بفرض أقصى درجات التدقيق على جميع تراخيص التصدير العسكري، لمنع أي مساهمة غير مباشرة في أعمال العنف.
النائب كريس لو من الحزب الوطني الاسكتلندي دعا إلى فرض حظر شامل على مبيعات الأسلحة للإمارات، مشيرًا إلى ضرورة إعادة تفعيل لجنة مراقبة صادرات السلاح (CAEC) التي أُلغيت في عام 2024.
أما النائب المستقل أيوب خان، فطالب بـ "مراجعة جذرية" للسياسة البريطانية تجاه صادرات الأسلحة، معتبرًا أن الضمانات الحكومية لم تعد فعالة. وأضاف: "تعليق الصادرات إلى الإمارات ليس خيارًا سياسيًا، بل التزام أخلاقي".
الحرب السودانية في عامها الثالث
يأتي هذا الجدل وسط دخول الحرب الأهلية السودانية عامها الثالث، حيث أسفر النزاع بين الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع عن مقتل أكثر من 150 ألف شخص، ونزوح ما يقرب من 13 مليونًا. وتواجه الدعم السريع اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك الإبادة الجماعية والاغتصاب والتطهير العرقي، خصوصًا في مناطق دارفور.
سلاح بريطاني في أيدٍ ملوثة بالدماء
في ظل هذه المعطيات، تزداد الضغوط على الحكومة البريطانية لتحمّل مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية، واتخاذ موقف واضح تجاه مبيعات الأسلحة التي قد تُستخدم في ارتكاب جرائم حرب. وفي حال استمرار التراخي، قد تجد بريطانيا نفسها شريكة في المأساة السودانية، لا مجرد شاهدة عليها.

