في خطوة وُصفت بأنها تحول أمني حساس وتحدٍّ سياسي لمصر، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي إنشاء مركز قيادة جوي جديد ضمن اللواء 80 المسؤول عن الحدود مع مصر، بدعوى مواجهة عمليات التهريب المتزايدة عبر الطائرات المسيرة.

القرار الذي جاء بعد اجتماع طارئ لقائد سلاح الجو مع أجهزة أمنية، يُثير تساؤلات حول مدى توافقه مع بنود اتفاقية السلام الموقعة بين القاهرة وتل أبيب عام 1979، التي تحدد بوضوح طبيعة الانتشار العسكري في المناطق الحدودية، وتلزم الطرفين بالتنسيق في أي ترتيبات أمنية من هذا النوع.

ورغم أن التبرير الإسرائيلي يركّز على "مكافحة تهريب المخدرات والأسلحة"، إلا أن محللين مصريين يرون فيه تعديًا على سيادة مصرية صريحة وتحوّلاً خطيراً في ميزان الرقابة على الحدود الجنوبية، خصوصاً في ظلّ الحساسية التاريخية لهذه الجبهة.

 

مركز قيادة جديد بمهام استخباراتية متقدمة

وفقًا لما نقلته قناة i24NEWS العبرية، فإن المركز الجديد تم تفعيله ضمن اللواء 80، المسؤول عن أمن الحدود مع مصر والأردن، ويُعدّ الأول من نوعه المزوّد بأنظمة مراقبة جوية واستخباراتية تعمل على مدار الساعة.

ويتفرّد المركز عن باقي القيادات الجوية في الشمال والجنوب بتركيزه المتخصص على أربعة محاور رئيسية:

  • الكشف المبكر عن الطائرات المسيّرة التي تُستخدم في عمليات التهريب.
  • المراقبة الذكية عبر أنظمة رادار ثلاثية الأبعاد قادرة على تحديد المسارات بدقة.
  • التشويش الإلكتروني لتعطيل المسيرات قبل اختراقها المجال الجوي.
  • الاعتراض الفعّال باستخدام وحدات اعتراض صغيرة أو طائرات مسيرة مضادة.

وتشير التقديرات إلى أن هذا المركز سيعمل كـ"غرفة عمليات مركزية" تستقبل البيانات من الأقمار الاصطناعية ووحدات الاستشعار المنتشرة على طول الحدود الممتدة من كرم أبو سالم إلى إيلات، وهي منطقة حساسة يفترض أن تكون خاضعة لترتيبات أمنية خاصة وفق الملحق الأمني للسلام مع مصر.

 

اجتماع طارئ وتحذيرات من التهريب عبر سيناء

القرار الإسرائيلي جاء عقب اجتماع طارئ لقائد سلاح الجو مع كبار ضباط الجيش وجهاز الاستخبارات العسكرية، لبحث التهديدات المتزايدة على الحدود المصرية، بعد سلسلة عمليات تهريب للمخدرات والأسلحة خلال الأشهر الماضية.

وقالت مصادر عبرية إن الطائرات المسيّرة أصبحت الوسيلة المفضلة للمهربين، إذ تنطلق من مناطق نائية في شمال سيناء يعتقد أن بها شبكات إجرامية مرتبطة بتنظيمات متطرفة، وتنجح في نقل شحنات من الحشيش والكبتاغون وأحيانًا معدات تجسس وأسلحة خفيفة إلى عمق الأراضي المحتلة.

إلا أن خبراء عسكريين مصريين حذروا من أن الذرائع الأمنية الإسرائيلية المتكررة تُستخدم عادة لتوسيع النفوذ العسكري قرب الحدود، وهو ما ينتهك روح ومعايير اتفاقية كامب ديفيد التي حددت طبيعة التسليح والتموضع في تلك المنطقة بدقة.

 

طائرات تهريب صغيرة.. صداع أمني مستمر

وفق تقارير أمنية إسرائيلية، فإن الطائرات المسيّرة المستخدمة في التهريب صغيرة الحجم، يصعب رصدها بالرادار، وتُشغّل عن بُعد بواسطة مهربين محترفين.

تتميز هذه الطائرات بأنها صامتة ورخيصة وتباع تجاريًّا في الأسواق العالمية، ويمكنها نقل حمولات تصل إلى 5 كيلوجرامات من المخدرات أو المتفجرات.

وقد أقرّ مسؤولون عسكريون بأن مواجهة هذه المسيرات تمثل تحدياً تكنولوجياً كبيراً، حيث تستخدم شبكات التهريب أساليب متقدمة لتجاوز الرصد الإلكتروني، ما دفع الجيش إلى إنشاء المركز الجديد وتطوير تقنيات اعتراض فورية.

لكن المراقبين المصريين يشيرون إلى أن مصر نفسها تبذل جهوداً مكثفة لمحاربة التهريب عبر الحدود، وتنسق بشكل دوري مع الجانب الإسرائيلي عبر قنوات أمنية معروفة، ما يجعل إنشاء مركز مستقل بهذا الشكل خطوة أحادية الجانب ومخالفة لبنود التنسيق المشترك.

 

تحدٍ لاتفاقية السلام ومساس بالسيادة المصرية

يُعدّ هذا التطور – من وجهة نظر القانونيين والخبراء الاستراتيجيين – سابقة خطيرة في مسار العلاقات المصرية الإسرائيلية.

فالاتفاقية الموقعة عام 1979 تنصّ بوضوح على أن المنطقة المتاخمة للحدود المصرية-الإسرائيلية (منطقة “ج”) يجب أن تكون منزوعة السلاح تقريباً، باستثناء قوات شرطة مدنية محدودة التسليح.

أما في الجانب الإسرائيلي، فيُسمح فقط بوجود قوات حدودية ذات طبيعة دفاعية محدودة، وليس مراكز قيادة جوية متقدمة أو منشآت إلكترونية ذات طابع استخباراتي هجومي كما في الحالة الجديدة.