منذ انطلاق مهرجان الجونة السينمائي في نسخته الأخيرة، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بصور النجوم والنجمات على السجادة الحمراء، حيث تحوّل المهرجان من فعالية فنية إلى ما وصفه كثير من النشطاء بـ«سوق نخاسة للإطلالات». فبدلاً من أن يكون الحدث منبراً لدعم السينما المصرية والعربية، غلب عليه طابع الاستعراض الجسدي والملابس الفاضحة، في مشهد أثار موجة غضب وانتقادات حادة حول الابتذال وانفصال النخبة الفنية عن واقع المجتمع وقيمه.

 

انتقادات لاذعة من الجمهور والنشطاء

 

وسائل التواصل الاجتماعي امتلأت بتعليقات غاضبة وساخرة، إذ رأى كثير من النشطاء أن ما يحدث في الجونة «يتجاوز حدود الذوق العام» وأنه لا يليق بمصر ولا بتاريخها الفني. وانتشرت عبارات مثل «سوق النخاسة» و«مهرجان التعري»، في إشارة إلى أن الهدف أصبح استعراض الجسد لا عرض الفن.

 

الناشطة الاجتماعية سلمى الجوهري كتبت في منشور متداول: «في بلد يعاني فيه ملايين المصريين من الغلاء والفقر، يظهر على الشاشات مهرجان يقدّم صورة من الانفصال التام عن الواقع. إنهم يعيشون في عالم آخر».

 

والناشطة رانيا الخطيب كتبت " مهرجان الجونة بيبقى قالب على قعدة اصحاب مع بعضهم وتصوير الفستان والبدلة وحكاوي الجواز والطلاق والتجميل والتكميم ودعاية للجونة وكل حاجة ماعدا الأفلام يعني كأنه مهرجان سينما زي برة بس من غير أفلام وده مالوش علاقة باللي بيعملوا المهرجان ولكن مناخ البلد مش هيسمح بإنتاج أفلام حقيقية".

 

 

وأشار الصريفي " والله أنا بشوفة مهرجان للعري والبذائة حتي في الكلام مثل ما عملت يسرا عمل كل اللي عاوزة وعن نفس المخرج قالت إحداهن في فيلم هي فوضي ، جو لو طلب مني مشهد اغتصاب خفيفة بعمله معقول هدول يمثلون المصرييين العظماء وحضارة الفراعنة منتهي السفه والخزي والانحلال،، أنا أشوف انهم ليسوا منكم".

 

 

وتحدث الاعلامي محمد ناصر " من سوزي الأردنية لـ يسرا في الجونة.. مصر فرحانة بالتعري والعدالة بالمقاس!".

 

 

الاعلامي هيثم ابو خليل " النيابة العامة المصرية تنشر مرافعة ضد سوزي الأردنية بتهمة خدش الحياء والاعتداء على قيم المجتمع! أين كانت النيابة مما قالته يسرا في الجونة عن غرف النوم وأين أنتم من مواخير الساحل الشمالي التي تُبث على الهواء أليس اعتقال آلاف الأبرياء هو الخدش الحقيقي لقيم الوطن؟".
 

 

هذه التعليقات عكست هوة كبيرة بين الجمهور العادي الذي يبحث عن قيم فنية راقية، وبين فئة صغيرة تتعامل مع المهرجان كمنصة استعراض بعيداً عن أي مضمون ثقافي.

 

ازدواجية القيم وغياب الرقابة الثقافية

 

يرى مراقبون أن ما يحدث في الجونة يمثل نموذجاً صارخاً لازدواجية القيم في المجتمع المصري، حيث يُغلق المجال أمام النقد السياسي أو الاجتماعي، بينما يُسمح بعروض تكشف أجساد الممثلات أمام الكاميرات بلا ضابط أو حدود.

 

الكاتب والمفكر محمد فوزي يقول إن «النظام السياسي الذي يقيّد حرية التعبير الحقيقية، يسمح في المقابل بمهرجانات التبرّج والتعرّي لأنها تخلق ضجيجاً شكلياً يصرف الناس عن قضاياهم الأساسية». ويضيف أن «الفن في هذه الحالة يصبح أداة لإلهاء الجماهير، لا لبناء الوعي أو الدفاع عن القيم».

 

ويشير فوزي إلى أن غياب الرقابة الفنية الحقيقية فتح الباب أمام موجة من “الفن التجاري” الذي يركّز على المظهر لا المضمون، ليخدم في النهاية مصالح إعلامية واقتصادية ضيقة.

 

الفن بين الجمال والابتذال

 

في المقابل، دافع بعض الفنانين عن المهرجان باعتباره “تعبيراً عن الحرية الشخصية”. لكن النقاد ردوا بأن الحرية لا تعني الانفلات، وأن احترام الذوق العام جزء من ثقافة المجتمع.

 

تقول الناقدة السينمائية إيمان عبد الحميد إن «السينما الحقيقية لا تحتاج إلى أجساد عارية لتثبت حضورها، بل إلى أعمال تعبّر عن الإنسان المصري وقضاياه».

 

وتضيف أن «مهرجان الجونة، في صورته الحالية، يعكس أزمة هوية: لا هو مهرجان فني يحمل رسالة، ولا هو ملتقى ثقافي يعبّر عن مصر الحديثة، بل مجرد استعراض لنجوم يبحثون عن الكاميرا بأي ثمن».
الجونة بين الصورة والجوهر

 

المشهد العام في المهرجان يبدو كأنه سباق على نيل الأضواء لا على تقديم رسالة. ورغم محاولات المنظّمين الحديث عن دعم السينما المستقلة، فإن الصور التي تنتشر من المهرجان تتحدث بلغة أخرى تماماً: لغة الجسد والملابس العارية.

 

يقول الكاتب الصحفي حسن عبد المقصود إن «مهرجان الجونة تحوّل من واجهة للفن إلى مرآة للسطحية التي وصلت إليها النخبة المصرية»، مضيفاً أن «الفن الراقي لا يُقاس بمدى جرأة الإطلالة، بل بمدى احترامها للعقل والذوق العام».

 

ختاما فما يجري في مهرجان الجونة ليس مجرد عرض للأزياء أو استعراض للمشاهير، بل هو انعكاس لتدهور الوعي الفني والقيمي في آنٍ واحد. لقد تحوّل المهرجان إلى حدث يثير الجدل أكثر مما يثير الإعجاب، بعدما انفصل تماماً عن رسالته الأصلية في دعم السينما والفكر والإبداع.

 

وفي وقت يعاني فيه المواطن المصري من أزمات اقتصادية ومعيشية خانقة، يبدو أن بعض النخب لا تزال ترى في التعري وسيلة للظهور، لا للحرية. هكذا يصبح المهرجان رمزاً لعصرٍ يُقدّم فيه الجسد بديلاً عن الفن، والضجيج بديلاً عن القيمة، لتغيب الرسالة ويبقى الجمال الحقيقي رهينة المظاهر الزائفة.