في مشهدٍ يعكس عمق الأزمة الحقوقية، تدخل عائلة الإسكندرية عامها الثاني خلف القضبان دون محاكمة، وسط ظروف احتجاز قاسية وحرمان من أبسط مقومات الحياة والرعاية الصحية، في وقت يخيّم فيه صمت ثقيل من السلطات القضائية والحقوقية الرسمية على هذه القضية الإنسانية التي تمثل نموذجًا صارخًا لما يُعرف بـ"الاحتجاز الانتقامي".

 

500 يوم من القهر.. البداية من ليلة اقتحامٍ دامية

تعود القصة إلى ليلة 27 مايو 2024، حين داهمت قوات الأمن منازل الأسرة في محافظتي الإسكندرية والقاهرة دون إذنٍ قضائي أو مسوّغ قانوني، واعتقلت خمسة من أفرادها بينهم ثلاث سيدات، واقتادتهم إلى مقرات تابعة لجهاز الأمن الوطني حيث اختفوا قسريًا لمدة تجاوزت ستة أشهر.

ورغم المناشدات التي تقدمت بها الأسرة ومحاموها للنيابة العامة ومجلس حقوق الإنسان، ظل مصيرهم مجهولًا حتى نوفمبر 2024، حين ظهروا فجأة أمام نيابة أمن الدولة العليا، ليُدرجوا في القضية رقم 1939 لسنة 2024 حصر أمن دولة عليا، بتهم فضفاضة تتكرر في معظم قضايا المعارضين والمعتقلين السياسيين، منها: "الانضمام إلى جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي".

 

منزل واحد.. خمس مآسٍ

تضم العائلة المعتقلة كلًّا من:

  • ناصر عبد المنعم عبد النعيم معوض (63 عامًا) – رب الأسرة وأستاذ جامعي سابق.
  • آمال عبد السلام إبراهيم حسن (60 عامًا) – زوجته.
  • غادة عبد السلام إبراهيم حسن (54 عامًا) – شقيقة الزوجة ومهندسة.
  • ريهام ناصر عبد المنعم عبد النعيم (37 عامًا) – الابنة.
  • وائل عبد الرازق محمد نصار (43 عامًا) – زوج الابنة.

ورغم أن أفراد الأسرة لا تربطهم أي نشاطات سياسية معروفة، فقد تم احتجازهم في مراكز احتجاز مختلفة؛ إذ وُضعت السيدات في سجن العاشر من رمضان (تأهيل 4)، بينما نُقل الرجال إلى مركز بدر للإصلاح والتأهيل (بدر 3)، في ظروف تصفها المنظمات الحقوقية بـ"اللانسانية".

 

ظروف احتجاز مهينة وإهمال طبي ممنهج

وفقًا لتقارير مركز الشهاب لحقوق الإنسان والشبكة المصرية لحقوق الإنسان، تعاني السيدات الثلاث من أوضاع صحية متدهورة، حيث تُحتجز كل واحدة منهن داخل غرف مكتظة بالسجينات الجنائيات، وتُسمح لهنّ بزيارة لا تتجاوز عشر دقائق، مع منع دخول الأدوية أو التحاليل الطبية اللازمة.

وأفادت المصادر أن إحدى السيدات تعاني من مرض مناعي بالعظام، وتُجبر على استخدام حمام أرضي لا يتناسب مع حالتها الصحية، ورغم تقديم طلب رسمي بنقلها إلى مكان ملائم، رفضت إدارة السجن الاستجابة دون إبداء أسباب.

أما الرجال، فيواجهان في سجن بدر ظروفًا قاسية تتضمن عزلاً متكررًا، وتقييد التواصل مع ذويهم، وانعدام الرعاية الطبية، الأمر الذي تسبب بتدهور حاد في صحتهم النفسية والجسدية.

 

القضاء يُمدد الحبس.. بلا مبرر

على مدار 17 شهرًا، مثُل أفراد الأسرة أكثر من عشر مرات أمام غرفة المشورة بمحكمة جنايات القاهرة (المنعقدة في مركز بدر للإصلاح والتأهيل)، وكانت النتيجة واحدة في كل مرة:

تجديد الحبس الاحتياطي 45 يومًا، دون إتاحة الفرصة للدفاع أو حتى السماح للمحتجزين بالحديث أمام القاضي.

ويرى محامو العائلة أن القضية بلا سند قانوني حقيقي، مؤكدين أن جميع أفراد الأسرة مدنيون لا علاقة لهم بأي نشاط سياسي، وأن استمرار حبسهم "يمثل عقابًا جماعيًا لأسرة كاملة"، في انتهاك واضح للدستور المصري والمواثيق الدولية.

 

صمت رسمي وتواطؤ مؤسسي

رغم المناشدات التي وجهتها منظمات حقوقية محلية ودولية، لم تُبدِ السلطات المصرية أي تجاوب.
ويحمّل مركز الشهاب كلًّا من النيابة العامة ومصلحة السجون مسؤولية ما قد يتعرض له أفراد الأسرة من تدهور صحي أو أذى نفسي، مطالبًا بـ الإفراج الفوري عنهم ووقف الانتهاكات بحقهم.

من جانبه، أكد بيان صادر عن الشبكة المصرية لحقوق الإنسان أن استمرار احتجاز العائلة "يمثل نموذجًا مكرّرًا للانتهاكات الممنهجة بحق الأسر التي يُزج بأفرادها في السجون دون محاكمات عادلة، وبناء على تحريات أمنية ملفقة".

 

"عام ونصف من الحبس بلا تهمة".. نموذج للحبس الاحتياطي المفتوح

تحولت قضية عائلة الإسكندرية إلى رمز لمعاناة آلاف المحتجزين الذين يُجدد حبسهم الاحتياطي بلا تهمة حقيقية، في مخالفة صريحة للمادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية التي تحدد أقصى مدة للحبس الاحتياطي بعامين فقط في القضايا الجنائية الكبرى.

ويرى مراقبون أن القضية تكشف عن تغوّل جهاز الأمن الوطني وهيمنته على القرار القضائي، مع غياب الرقابة الفعلية من النيابة العامة، ما أدى إلى تحويل الحبس الاحتياطي من وسيلة قانونية إلى أداة للعقاب السياسي والتصفية الشخصية.

 

مطالبات بالحرية والعدالة

يطالب المجتمع الحقوقي المصري والدولي بـ: الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع أفراد الأسرة، وفتح تحقيق عاجل في وقائع الإخفاء القسري والتعذيب، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات داخل السجون، ووقف التمديد العشوائي للحبس الاحتياطي وإعادة النظر في القضايا المشابهة.

ويؤكد المدافعون عن حقوق الإنسان أن استمرار هذا النمط من الانتهاكات يهدد مصداقية النظام القضائي ويكرّس لواقعٍ من الإفلات من العقاب، محذرين من أن تجاهل مثل هذه القضايا يُفاقم الاحتقان الاجتماعي ويقوّض ثقة المواطنين في العدالة.

https://www.facebook.com/elshehab.ngo/posts/1221669983340780?ref=embed_post

https://www.facebook.com/ENHR2021/posts/842982688082792?ref=embed_post