أعاد الظهور الأخير للقيادي البارز وأحد رموز ثورة 25 يناير الدكتور محمد البلتاجي على كرسي متحرك داخل محبسه في سجن بدر 3 تسليط الضوء على ملف الإهمال الطبي بحق المعارضين السياسيين في مصر، بعد أن كشفت تقارير حقوقية عن تدهور خطير في حالته الصحية وحرمانه من العلاج والرعاية منذ سنوات.

 

ويأتي ذلك في وقت تتزايد فيه المخاوف من ممارسة منهجية للإهمال الطبي المتعمّد ضد السجناء السياسيين، الذين يواجهون ما تصفه المنظمات الحقوقية بـ«الموت البطيء خلف الأسوار».

 

12 عاماً من الحبس الانفرادي والحرمان من الزيارة

 

بحسب الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، يقضي البلتاجي، السياسي والبرلماني المعروف، عامه الثاني عشر في الحبس الانفرادي داخل قطاع (2) في مركز إصلاح وتأهيل بدر (بدر 3)، وسط حرمان كامل من التريض والتعرض لأشعة الشمس.

 

وأكدت الشبكة أن البلتاجي فقد قدرته على المشي ويستخدم كرسياً متحركاً بعد تدهور مستمر في صحته نتيجة قصور في وظائف الكلى وارتفاع ضغط الدم، فضلاً عن آثار الإضراب الأخير عن الطعام.

 

كما أوضحت أن آخر زيارة أسرية له كانت عام 2015، ما يجعله في عزلة تامة عن العالم الخارجي، في مخالفة واضحة لأبسط قواعد معاملة السجناء.

 

مركز الشهاب وهيومن رايتس إيجيبت: الإهمال سياسة لا صدفة

 

حمّل مركز الشهاب لحقوق الإنسان وزارة الداخلية المسؤولية القانونية الكاملة عن تدهور الحالة الصحية للبلتاجي، معتبراً أن الإهمال الطبي يُستخدم كسلاح لمعاقبة المعارضين داخل السجون.

 

وطالب المركز النائب العام بالتدخل العاجل وتكليف فريق من معاونيه بالانتقال إلى سجن بدر 3 للتحقيق في الانتهاكات الممارسة بحق المعتقلين.

 

وفي السياق ذاته، أكدت منظمة هيومن رايتس إيجيبت أن البلتاجي «يواجه الموت البطيء في زنزانته الانفرادية»، بعدما تعرّض عدة مرات لنوبات فقدان الوعي دون تلقي أي رعاية طبية حقيقية، مطالبةً بالإفراج الفوري عنه وعن رفاقه في سجن بدر 3.

 

وذكّرت المنظمة بأن البلتاجي أحد أبرز رموز ثورة يناير 2011، وكان من أشد المدافعين عن استقلال القضاء وحرية الصحافة ورفض المحاكمات العسكرية للمدنيين، كما شارك في «أسطول الحرية» لكسر حصار غزة عام 2010.

 

وأضافت أن التنكيل لم يتوقف عنده، بل امتد إلى أسرته، إذ قُتلت ابنته أسماء خلال فض اعتصام رابعة، ويقبع نجله أنس في السجن منذ أكثر من 12 عاماً، بينما اضطر باقي أفراد أسرته إلى مغادرة البلاد.

 

عبد الناصر يوسف.. أكاديمي على حافة الموت

 

ولم يقتصر الإهمال الطبي على البلتاجي وحده، فقد رصدت منظمات حقوقية تدهور الحالة الصحية للدكتور عبد الناصر مسعود سالم يوسف (65 عاماً)، أستاذ كلية العلوم بجامعة طنطا، والمحتجز في سجن المنيا شديد الحراسة منذ عام 2015.

 

فقد سقط مغشياً عليه داخل قاعة محكمة جنايات دمياط الأسبوع الماضي إثر نوبة صرع حادة، نتيجة مضاعفات سنوات من التعذيب والإهمال الطبي، حيث يعاني من ضمور في خلايا المخ وتكيس في الغشاء العنكبوتي وقصور في الشرايين التاجية.

 

وقالت منظمة عدالة لحقوق الإنسان (JHR) إن تقارير طبية رسمية أوصت منذ فترة بعرضه على أطباء متخصصين على وجه السرعة، إلا أن إدارة السجن تجاهلت تلك التوصيات.

 

وحملت المنظمة النائب العام ووزارة الداخلية ومصلحة السجون المسؤولية الكاملة عن حياته، مطالبةً بالإفراج الصحي الفوري عنه ونقله إلى مستشفى مجهز قبل فوات الأوان.

 

مسؤولية قانونية وأخلاقية مفتوحة

 

من جانبه، دعا مركز الشهاب لحقوق الإنسان إلى فتح تحقيق فوري في جرائم الإهمال الطبي المتعمد ومحاسبة المسؤولين عنها، مؤكداً أن استمرار احتجاز المرضى دون علاج يمثل انتهاكاً صارخاً للحق في الحياة والرعاية الصحية ويخالف المواثيق الدولية التي صادقت عليها مصر.

 

كما طالب بتفعيل آلية الإفراج الصحي لجميع الحالات الحرجة، ومراقبة السجون من قبل جهات مستقلة لضمان توفير الرعاية الأساسية.

 

إهمال ممنهج لا حالات فردية

 

وتؤكد تقارير حقوقية دولية، بينها تقارير هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، أن ما يجري داخل السجون المصرية ليس حالات فردية بل سياسة متكاملة، تُستخدم فيها الرعاية الصحية كأداة قمع وانتقام سياسي.

 

وتشير هذه التقارير إلى أن عشرات السجناء توفوا في السنوات الأخيرة بسبب نقص الأدوية وتأخر نقلهم إلى المستشفيات أو الحرمان من العلاج، في ظل غياب رقابة قضائية فعالة.

 

ختاما إن صورة محمد البلتاجي على كرسي متحرك ليست مشهداً عابراً، بل رمزٌ لمأساة إنسانية ممتدة داخل السجون المصرية، حيث تتحول الزنازين إلى غرف عزل عن الحياة، والإهمال الطبي إلى حكم بالإعدام البطيء.

 

ويحمّل حقوقيون حكومة الانقلاب مسؤولية مباشرة عن تدهور صحة المعتقلين السياسيين، مطالبين بتحقيق شفاف وضمان الرعاية الطبية بوصفها حقاً إنسانياً لا مكرمة من أحد.