كشف المحامي الحقوقي خالد علي عن إحالة الباحث والأكاديمي المصري الدكتور تقادم الخطيب إلى المحاكمة الجنائية بقرار صادر عن نيابة أمن الدولة العليا، وذلك على ذمة القضية رقم 29 لسنة 2025 جنايات التجمع الخامس، المقيدة برقم 2 لسنة 2025 كلي القاهرة الجديدة، والمقيدة برقم 955 لسنة 2020 حصر. ويواجه الخطيب ومعه آخرون اتهامات تتعلق بالانضمام إلى جماعة إرهابية والمشاركة في اتفاق جنائي، على أن تبدأ أولى جلسات المحاكمة يوم الأحد 26 أكتوبر 2025 أمام دوائر الإرهاب بمحكمة بدر.
يمثل القرار تحولًا جديدًا في مسار تعامل سلطات الانقلاب مع الأكاديميين المقيمين في الخارج، حيث يعيش تقادم الخطيب خارج البلاد منذ أغسطس 2013. وتشير الوقائع إلى أن الباحث تعرّض منذ عام 2017 لسلسلة من الإجراءات الإدارية والقانونية التي غيّرت مساره الأكاديمي والمَهني. فقد أنهت الجهات الرسمية بعثته الدراسية التي كانت مخصصة لنيل درجة الدكتوراه، وقررت وقف المنحة التي كان يحصل عليها، مع مطالبته بالعودة إلى مصر فورًا. غير أن الخطيب رفض العودة، وأكمل دراسته في الخارج حتى حصل على الدكتوراه بالفعل.
في أعقاب ذلك، صدر قرار بإنهاء خدمته في الجامعة المصرية التي كان يعمل بها، وتبعه حكم بإلزامه برد قيمة المنحة الدراسية. وتشير إفادات محاميه إلى أن هذه الإجراءات لم تكن ذات طابع أكاديمي بحت، بل جاءت في سياق أوسع من التضييقات الإدارية والقيود التي واجهها منذ مساهمته في توثيق معلومات وملفات قضية تيران وصنافير، وهي المرحلة التي بدأت معها ملاحقته إداريًا وإعلاميًا.
كما واجه الباحث صعوبات متكررة في استخراج أو تجديد أوراقه الرسمية مثل جواز السفر والبطاقة الشخصية، وهي إجراءات أثّرت على استقراره الشخصي والمهني، وأثقلت وضعه القانوني كأكاديمي مقيم بالخارج. وتصف الدوائر الحقوقية هذه القيود بأنها شكل من أشكال العقاب غير المباشر، إذ حرمت الخطيب من حقوقه الأساسية في التنقل والعمل بحرية، رغم عدم صدور أي أحكام قضائية ضده قبل قرار الإحالة الحالي.
من الناحية القانونية، تعكس هذه القضية نمطًا متكررًا في إحالة باحثين أو معارضين سياسيين إلى محاكم الإرهاب، استنادًا إلى مواد قانونية تتعلق بالانضمام إلى جماعات محظورة أو الاشتراك في اتفاق جنائي. وغالبًا ما تُبنى هذه القضايا على تحريات أمنية دون وجود نشاط مادي مثبت داخل البلاد، وهو ما يثير تساؤلات قانونية حول مدى توافر أركان الجريمة المنسوبة إلى من يعيش خارج مصر منذ أكثر من عقد.
من منظور حقوق الإنسان، تسلط القضية الضوء على التحديات التي يواجهها الأكاديميون المصريون المقيمون في الخارج، خصوصًا أولئك الذين كانت لهم مواقف نقدية أو شاركوا في نقاشات عامة حول قضايا سيادية أو سياسية. فبدل أن يتم التعامل معهم في إطار أكاديمي أو علمي، يجد بعضهم أنفسهم طرفًا في قضايا جنائية ذات طابع أمني.
ويرى مراقبون قانونيون أن الإحالة الحالية تمثل تصعيدًا جديدًا ضد فئة الباحثين المستقلين الذين لم يرتكبوا أفعالًا مادية تندرج ضمن الجرائم الإرهابية، مؤكدين أن هذا النهج قد يؤدي إلى عزلة متزايدة بين الدولة والمجتمع الأكاديمي في الخارج. كما أن الملاحقة القضائية لأكاديمي يعيش خارج البلاد تفتح نقاشًا أوسع حول مفهوم الولاية القضائية، والحدود التي يمكن أن تمتد إليها إجراءات المحاكم المصرية في ملاحقة المقيمين بالخارج.
حتى اللحظة، لا توجد بيانات رسمية تفصيلية من النيابة العامة حول الأدلة التي استندت إليها في توجيه الاتهامات، ولا عن طبيعة الاتفاق الجنائي المزعوم. وتبقى المحاكمة المرتقبة اختبارًا جديدًا لمعايير العدالة الجنائية في القضايا ذات البعد السياسي، خصوصًا مع ما يرافقها من اهتمام حقوقي واسع داخل مصر وخارجها.
في المحصلة، تجسد قضية تقادم الخطيب صورة معقدة لتقاطع المسارات الأكاديمية والسياسية والقانونية في مصر المعاصرة. فهي تعكس كيف يمكن أن تتحول الخلافات الفكرية أو المواقف الوطنية إلى ملفات أمنية، وكيف تؤثر الإجراءات الإدارية والجنائية على حياة الباحثين والعاملين في مجالات الفكر والبحث العلمي. ومع انطلاق جلسات المحاكمة، ستظل الأنظار متجهة إلى مدى التزام القضاء بضمانات المحاكمة العادلة، وإلى ما إذا كان هذا الملف سيشكل سابقة جديدة في علاقة الدولة المصرية بمواطنيها المقيمين في الخارج.

