دخل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الذي تم التوصل إليه بوساطة أمريكية، مرحلة حرجة خلال الـ 48 ساعة الماضية، حيث يواجه اختبارات ميدانية عنيفة تهدد بنسفه، بالتزامن مع وصول وفد أمريكي رفيع المستوى إلى إسرائيل في محاولة لإنقاذ الاتفاق وضمان الانتقال إلى مرحلته الثانية الأكثر تعقيدًا.

 

تصعيد ميداني يهدد الهدنة الهشة

 

شهدت الساعات الماضية أخطر تصعيد منذ بدء سريان وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر 2025. ففي مدينة رفح جنوب قطاع غزة، وقعت اشتباكات هي الأولى من نوعها بين الجيش الإسرائيلي وعناصر فلسطينية. وردًا على ذلك، شن الجيش الإسرائيلي غارات جوية وهدد بالمزيد من الهجمات، متهمًا "إرهابيين" بإطلاق النار على قواته التي كانت تعمل على تدمير بنى تحتية بموجب شروط الاتفاق.

 

من جانبها، نفت كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، أي صلة لها باشتباكات رفح، وأكدت في بيان التزامها الكامل بوقف إطلاق النار في جميع أنحاء القطاع. وأوضحت أن المناطق التي شهدت الأحداث هي "مناطق حمراء" تحت سيطرة الاحتلال، وأن الاتصال مقطوع تمامًا بمجموعاتها هناك منذ أشهر.

 

يأتي هذا التصعيد بعد حادثة أخرى وقعت يوم الأحد، حيث قُتل جنديان إسرائيليان في القطاع، مما وضع الاتفاق أمام اختبار كبير. ورغم ذلك، أكدت كل من إسرائيل وحماس في حينه التزامهما بالهدنة، مما سمح بتجاوز الأزمة مؤقتًا. إلا أن تكرار الخروقات يثير مخاوف جدية من انهيار الاتفاق بالكامل، حيث يرى محللون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد يستغل أي فرصة لتعطيل الانتقال إلى المرحلة الثانية.

 

وعلى الصعيد الإنساني، لا يزال الوضع كارثيًا، مع وجود آلاف الجثامين تحت أنقاض المباني المدمرة، ومخاطر كبيرة تعرقل جهود انتشالها بسبب المتفجرات غير المنفجرة. وتستمر المساعدات بالتدفق بوتيرة أقل من المستهدف، حيث تدخل ما بين 300 إلى 350 شاحنة يوميًا، وهو أقل من هدف الـ 500 شاحنة المتفق عليه.

 

جهود أمريكية مكثفة للانتقال للمرحلة الثانية

 

في خضم هذه التوترات، وصل وفد أمريكي رفيع المستوى إلى إسرائيل، يضم نائب الرئيس جيه دي فانس والمبعوث الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، في محاولة لمنع انهيار "خطة ترامب" للسلام. تهدف الزيارة بشكل أساسي إلى مناقشة تفاصيل الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، بعد أن تم إنجاز الجزء الأكبر من المرحلة الأولى، والتي تضمنت تبادل الأسرى الأحياء والانسحاب الإسرائيلي الجزئي من 53% من مساحة القطاع.

 

وتشمل بنود المرحلة الثانية المعقدة ما يلي:

 

نزع سلاح الفصائل الفلسطينية: وهو أحد الشروط الأساسية التي تصر عليها إسرائيل والولايات المتحدة.


إدارة قطاع غزة: البحث في إنشاء سلطة بديلة لحكم القطاع، وهي قضية محورية لم تُحل بعد.


انسحاب إضافي للقوات الإسرائيلية: تقليص سيطرة الجيش الإسرائيلي على القطاع لتشمل 30% فقط من مساحته.


إعادة الإعمار: وضع خطة اقتصادية شاملة لإعادة بناء ما دمرته الحرب في غزة.


ملف جثامين القتلى: التوسط في قضية تسليم رفات الرهائن الإسرائيليين القتلى.


وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن في 13 أكتوبر أن المرحلة الثانية قد بدأت بالفعل بعد عودة جميع الرهائن الأحياء العشرين، لكنه شدد على أن "المهمة لم تنتهِ بعد" في إشارة إلى قضية رفات القتلى.


تواجه المفاوضات تحديات جمة، منها ضغوط اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية الذي يهدد بالاستقالة، ومطالبة حماس بأسماء "بارزة" في قوائم الأسرى الفلسطينيين للحفاظ على شرعيتها الداخلية.


يبدو مستقبل الاتفاق معلقًا بخيط رفيع. فبينما تسعى الإدارة الأمريكية والوسطاء في مصر وقطر للدفع نحو حل سياسي دائم، تبقى التطورات الميدانية والتباينات العميقة في مواقف الطرفين تهديدًا مستمرًا قد يعيد المنطقة إلى مربع العنف في أي لحظة. الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان يمكن للجهود الدبلوماسية أن تتغلب على أصوات المدافع.