على الرغم من أن رئيس الوزراء في مصر هو في أفضل الأحوال مجرد "سكرتير"، أو "موظف" في مكتب "الرئيس" منفذ لسياساته ولا يملك أن يخرج عنها بأي حال، إلا أنه دائمًا ما يدفع ثمن الأخطاء التي يرتكبها الأخير، ويتم التضحية به في مواجهة الغضب الشعبي. 

 

لم يكن رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي خارج هذا السياق المتعارف عليه في الحكومات المتعاقبة، سواءً في مرحلة ما بعد الانقلاب أو ما قبلها؛ فهو لا يملك من أمره شيئًا، ولا يستطيع أن ينتقد سياسات قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، على الرغم من التحذيرات المتكررة وانتقادات الخبراء للاعتماد المتزايد على الاقتراض من الخارج، والتوسع في إقامة المشروعات التي لا تمثل أولوية في الوقت الراهن.

 

وشغل مدبولي الحاصل على بكالوريوس الهندسة المعمارية من جامعة القاهرة، منصب وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية خلال الفترة من فبراير 2014 حتى 6 يونيو 2018.

 

وفي 23 نوفمبر 2017، أصدر قائد الانقلاب قرارًا بتولي مدبولي، وزير الإسكان آنذاك، مهام القائم بأعمال رئيس مجلس الوزراء لحين عودة المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء من رحلة علاجه بألمانيا، وظل يمارس تلك الصلاحية حتى عودة الأخير في يناير 2018.

 

وكلفه السيسي بتشكيل الحكومة في 7 يونيو 2018، وأعيد تكليفه للمرة الثانية في يونيو 2024، فيما كشفت تسريبات إعلامية مؤخرًا عن احتمالية الإطاحة به، وتكليف رئيس وزراء جديد بدلاً منه خلال الفترة القليلة القادمة، بعد أن تعرضت الحكومة لانتقادات متزايدة خلال الشهور الأخيرة، في ظل سلسلة من الأزمات التي تشهدها مصر.

 

حادثا الدائري الإقليمي وسنترال رمسيس

 

في 27 يونيو الماضي، توفيت 18 فتاة وسائق من إحدى قرى محافظة المنوفية إثر حادث سير على الطريق الدائري الإقليمي فجر غضب الرأي العام في مصر، وأعقب حادث آخر في 5 يوليو، راح ضحيته 9 أشخاص؛ ما دفع قائد الانقلاب إلى الأمر بإغلاق ما بات يعرف بـ "طريق الموت" لإعادة تأهيله.

 

وبعد يومين فقط، اندلع حريق ضخم في سنترال رمسيس في 7 يوليو الماضي، راح ضحيته 4 أشخاص، أسفر عن تعطل الخدمات الهاتفية والبنكية في أرجاء متفرقة من البلاد.

 

على الرغم من موجة الغضب الشعبي التي تفجرت آنذاك إزاء الحادثين، إلا أنه لم يتم اتخاذ قرار يتجاوب معها بإقالة أي مسؤول حكومي على خلفيتهما. وخرج مدبولي وقتها ليبدي انزعاجه إزاء ما اعتبره "تضخيمًا" و"مبالغة في إبراز السلبيات"، في وقت تواجه فيه الدولة حروبًا من "الجيل الرابع والخامس" قائمة على "إشاعة اليأس والإحباط لمحاولة إضعاف الداخل"، وفق قوله.

 

بطبيعة الحال لا يمكن تبرئة مدبولي مما حصل، لكن الجاني الحقيقي في كليهما يحظى بحماية قائد الانقلاب. في حادث الطريق الإقليمي بالمنوفية توجهت أصابع الاتهام إلى الهيئة الهندسية للقوات المسلحة التي باشرت إنشاء الطريق خلال الفترة ما بين عامي 2014 و2018، بسبب العيوب الفنية وتكرار الحوادث عليه.

 

وفي حادث سنترال رمسيس، على الرغم من أنه يمثل عصب قطاع الاتصالات في  مصر، جاء الحريق الذي التهم المبنى وأثر على الاتصالات وشبكة الإنترنت في الكثير من المناطق ليكشف عن هشاشة تأمينه في مواجهة مثل هذه الحوادث، وهو ما أثار انتقادات حول غياب إجراءات التأمين والسلامة، وتوفير البدائل في حال حادث أي طارئ.

 

مدبولي كبش الفداء

 

الانتقادات بطبيعة الحال طالت مدبولي وحكومته دون المساس بشخص "الرئيس"، والذي اكتفى بإصدار قرار عقب حادث الطريق الدائري الإقليمي بإغلاق الطريق في المناطق التي تشهد أعمال رفع الكفاءة والصيانة، مع وضع البدائل المناسبة والآمنة، "وذلك حفاظًا على سلامة المواطنين وضمان إنجاز الأعمال في أسرع وقت".

 

وأمر بتشكيل لجنة متخصصة للوقوف على أسباب اندلاع الحريق بمبنى "سنترال رمسيس"، مع التأكيد على أهمية سرعة الانتهاء من مختلف الأعمال والخطوات التي من شأنها أن تضمن عودة مختلف الخدمات المقدمة من خلال مبنى السنترال لمعدلاتها وجودتها الطبيعية.

 

ولم يمتلك أي إعلامي في مصر شجاعة توجيه الانتقادات إلى رأس السلطة على ردود الفعل غير الملائمة والضعيفة تجاه حادثين كبدا أضرارًا بشرية ومادية فادحة، ليبقى ذلك نموذجًا في كيفية مواجهة الأزمات، والإفلات من المساءلة والعقاب في غياب الرقابة البرلمانية كما هو الحال في الدول الديمقراطية، وإن خرجت انتقادات فهي في الغالب لن تتجاوز شخص رئيس الوزراء، الذي يمكن التضحية عند استفحال الغضب الشعبي، وتحميله مسؤولية كل ما حدث ويحدث من أزمات.