تواجه جهود إزالة الركام في قطاع غزة تحديات هائلة تحول دون إعادة الحياة إلى طبيعتها، وتشل قدرة القطاع على التعافي بعد الدمار الواسع الذي لحق به. فبينما تتكدس ملايين الأطنان من الأنقاض، تفرض القيود الإسرائيلية المشددة على دخول المعدات اللازمة حصارًا إضافيًا، ما يجعل المهمة شبه مستحيلة ويعمق الأزمة الإنسانية.
حجم الدمار وكارثة الركام
خلفت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة كارثة إنشائية وإنسانية وصفت بأنها الأكبر في التاريخ الحديث. تشير التقديرات إلى وجود ما بين 51 إلى 70 مليون طن من الركام، ناتجة عن تدمير ممنهج للبنية التحتية والمباني السكنية. لقد أدى هذا الدمار إلى محو معظم معالم القطاع، حيث تضرر أو دُمر أكثر من 70% من إجمالي المباني، وفي بعض المناطق مثل شمال غزة ورفح، وصلت نسبة الدمار إلى ما يقرب من 89%. لم يقتصر التدمير على المنازل، بل طال مؤسسات حيوية وتراثية، مثل مكتبة بلدية غزة، في محاولة لمحو ذاكرة المدينة وتاريخها.
وكشف د. إسماعيل الثوابتة (المكتب الإعلامي الحكومي - غزة) أن عمليات إزالة الركام تواجه معوقات جسيمة، أبرزها غياب المعدات اللازمة، وهو ما يعكس الموقف الرسمي للسلطات في غزة.
https://x.com/ismailalthwabta/status/1978799109906522546
الجيش الإسرائيلي اتبع سياسة تدمير شاملة، حيث كان ينسف يوميًا ما يصل إلى 300 وحدة سكنية باستخدام عربات مفخخة، بهدف معلن هو تدمير مدينة غزة وتهجير سكانها. هذا الواقع حوّل القطاع إلى منطقة منكوبة بيئيًا وإنشائيًا، وأصبحت إزالة الركام الخطوة الأولى والأساسية لأي محاولة لإعادة الإعمار.
صعوبات وتحديات إزالة الأنقاض
تتجاوز مهمة إزالة الركام مجرد رفع الأنقاض، لتصبح عملية معقدة ومحفوفة بالمخاطر الجسيمة:
- الذخائر غير المنفجرة: تشير التقديرات الأولية إلى وجود حوالي 20 ألف قنبلة وصاروخ لم ينفجر بعد تحت الأنقاض، مما يشكل تهديدًا قاتلًا للمدنيين وفرق الإنقاذ ويتطلب معالجة هندسية وأمنية دقيقة قبل بدء أي عمل.
- جثامين تحت الركام: لا تزال مئات الجثث مطمورة تحت أنقاض المباني المدمرة، مما يضيف بعدًا إنسانيًا مأساويًا لعملية الإزالة ويعقدها.
- المواد الخطرة: يحتوي الركام على مواد شديدة الخطورة وملوثات كيميائية، مثل الأسبستوس، التي تشكل خطرًا صحيًا وبيئيًا كبيرًا عند التعامل معها.
- نقص الموارد المحلية: تعاني البلديات الفلسطينية من نقص حاد في الآليات والوقود والكوادر البشرية اللازمة لمواجهة هذا الحجم الهائل من الدمار. معظم الآليات التابعة للبلديات إما معطلة أو دُمرت، ولا يمكن الاعتماد عليها في مهمة بهذا الحجم.
التضييق الإسرائيلي وشل القطاع
تفاقم القيود الإسرائيلية من حجم الكارثة، حيث تمنع السلطات الإسرائيلية بشكل متعمد دخول المعدات الثقيلة والآليات اللازمة لإزالة الركام، في إجراء وصفته الأمم المتحدة بأنه "عقابي". هذا المنع ليس إلا جزءًا من سياسة "الخنق البطيء" التي تهدف إلى تعطيل أي جهود لإعادة الإعمار وإبقاء مئات الآلاف من المدنيين في دائرة التشرد والفقر.
تواصل إسرائيل خرق تفاهمات وقف إطلاق النار عبر تخفيض عدد شاحنات المساعدات ومنع دخول المعدات الأساسية، مما يؤدي إلى نقص حاد في المواد التموينية والأدوية ووقود المستشفيات. هذا الحصار الممنهج يعرقل فتح الطرقات وإعادة تشغيل البنية التحتية المدمرة، مما يشل حركة الحياة في القطاع بالكامل ويصعّب وصول المساعدات الإنسانية.
مستقبل غزة بين الركام والحصار
في ظل هذه المعوقات، قد تستغرق عملية إزالة الركام عقودًا طويلة، وهو ما يعني إطالة أمد معاناة السكان الذين يعيشون في خيام مؤقتة أو بين أنقاض منازلهم. ورغم الجهود المتواضعة التي تبذلها طواقم محلية ومتطوعون، وبمساعدة جهات دولية مثل اللجنة المصرية لإغاثة غزة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن حجم التحدي يفوق بكثير الإمكانيات المتاحة.
https://www.facebook.com/reel/793156886827954
لقد أصبحت إزالة الركام قضية محورية لا يمكن دونها الحديث عن إعادة إعمار أو عودة للحياة الطبيعية. لذا، تتصاعد الدعوات للمجتمع الدولي للضغط على إسرائيل من أجل فتح المعابر والسماح الفوري بدخول المعدات والمواد اللازمة، لوقف هذه الكارثة الإنسانية والبدء في انتشال غزة من تحت الأنقاض.