في حادث جديد يسلّط الضوء على هشاشة الأمن البحري في البحر العربي وخليج عدن، أعلنت شركة الأمن البحري البريطانية "أمبري" (Ambrey)، اليوم السبت، أن ناقلة نفط تحمل علم الكاميرون أطلقت نداء استغاثة إثر انفجار عنيف وقع على متنها قبالة سواحل محافظة أبين اليمنية، مشيرةً إلى أن طاقمها طلب مغادرة السفينة وأن عمليات البحث والإنقاذ ما زالت جارية حتى اللحظة.

ووفقاً لمركز العمليات التجارية البحرية البريطاني (UKMTO) فإن السفينة تعرّضت لإصابة مباشرة من "مقذوف غير معروف" على بُعد نحو 116 ميلاً بحرياً شرق مدينة عدن، وهي منطقة تُعد من أكثر المسارات الملاحية ازدحاماً وخطورة في العالم. وقد شوهدت ألسنة اللهب تتصاعد من السفينة بعد الضربة، بينما سُمع دوي انفجار قوي في المنطقة البحرية المحيطة بها.

وقالت شركة “أمبري” إن الناقلة كانت تُبحر من ميناء صحار في سلطنة عمان متجهة إلى جيبوتي عندما وقع الانفجار، مرجّحةً أن يكون الحادث ناجماً عن هجوم خارجي، دون أن تحدد الجهة المسؤولة. وأضافت أن طاقم السفينة المكوّن من عشرات البحارة اضطر إلى التخلي عن الناقلة بعد اشتعال النيران فيها، وأن قوارب إنقاذ تابعة لتحالف أمني دولي سارعت إلى موقع الحادث.

حتى مساء السبت، لم تُعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم، غير أن المنطقة شهدت خلال العام الأخير سلسلة من الاعتداءات المماثلة التي نُسبت إلى جماعة الحوثي المدعومة من إيران، في إطار تصعيدها البحري المستمر منذ اندلاع الحرب في غزة أواخر عام 2023. واستهدفت الجماعة سفن شحن تجارية وناقلات نفط في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، بدعوى أنها “مرتبطة بإسرائيل أو بدول داعمة لها”.

مصادر ملاحية تحدثت إلى وكالات أنباء دولية قالت إن الناقلة المتضررة تُعتبر صغيرة الحجم نسبياً، وتُستخدم في نقل كميات محدودة من المشتقات النفطية بين موانئ شرق أفريقيا والخليج. ولم يُعرف بعد ما إذا كان الانفجار تسبب في تسرب نفطي أو تلوث بيئي في المنطقة، لكن خبراء أشاروا إلى أن أي تسرب في هذه النقطة الحساسة من الخليج قد يُحدث كارثة بيئية ويعرقل حركة السفن المتجهة إلى قناة السويس.

ويأتي هذا الحادث في وقتٍ تتزايد فيه التحذيرات الدولية من تفاقم المخاطر على الملاحة العالمية. فالممرات البحرية القريبة من اليمن تُعد من أهم طرق التجارة بين آسيا وأوروبا، إذ تمر عبرها أكثر من 12% من حركة التجارة الدولية. وقد دفعت الهجمات المتكررة خلال الأشهر الماضية شركات النقل الكبرى إلى تغيير مساراتها نحو رأس الرجاء الصالح جنوب أفريقيا، ما رفع تكاليف الشحن العالمية وأدى إلى زيادة أسعار السلع.

محللون اعتبروا أن الحادث الجديد يؤكد فشل الجهود الدولية في تأمين الملاحة رغم وجود قوات بحرية أميركية وأوروبية في المنطقة. وقال الخبير البحري المصري اللواء محسن عبد الرحيم إن “الانفجار يعيد للأذهان هشاشة الأمن في باب المندب، الذي يمثل الرئة الجنوبية لقناة السويس، وأي اضطراب هناك ينعكس مباشرة على الاقتصاد المصري”. وأضاف أن تراجع إيرادات قناة السويس خلال الأشهر الماضية بسبب تحويل السفن لمسارات بديلة “يكشف أن ما يحدث في خليج عدن ليس مجرد شأن يمني، بل أزمة اقتصادية عالمية تضرب القاهرة قبل غيرها”.

ورغم خطورة الحادث، لم تُصدر حكومة السيسي أو جامعة الدول العربية أي تعليق رسمي حتى الآن، ما أثار انتقادات في الأوساط الإعلامية بشأن غياب الموقف العربي من التهديدات التي تمس أمن الملاحة الإقليمي.

في المقابل، دعا خبراء بيئيون ومنظمات بحرية إلى فتح تحقيق دولي عاجل في الحادث لتحديد مصدر القذيفة أو الانفجار، ولضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث التي تهدد أمن الطاقة العالمي.

بينما تواصل فرق الإنقاذ عملياتها في الموقع، تبقى الأسئلة الكبرى دون إجابات: من يقف وراء الانفجار؟ وهل دخلت المنطقة مرحلة جديدة من حرب السفن التي قد تمتد من البحر الأحمر إلى المحيط الهندي؟

في ظل هذا الغموض، يبدو أن خليج عدن يعود مجدداً إلى واجهة الصراعات الإقليمية، وأن ناقلة النفط الكاميرونية لم تكن سوى الضحية الأحدث في سلسلة طويلة من الانفجارات البحرية التي تهز العالم بصمت.