تواجه مفاوضات تنفيذ اتفاق شرم الشيخ لوقف إطلاق النار في غزة عقبة جديدة بعد رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الإفراج عن عدد من كبار الأسرى الفلسطينيين، وهو ما أدى إلى تراجع أمريكي عن ضمانات سبق أن قُدمت للفصائل الفلسطينية. هذا التطور يهدد بنسف أحد أهم بنود الاتفاق الذي كان يُنظر إليه بوصفه خطوة جوهرية نحو إنهاء حرب استمرت لعامين، وفتح الطريق أمام تسوية سياسية أوسع.

وأعلنت إسرائيل أن جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) قرر رفض إطلاق سراح 125 أسيراً فلسطينياً بدعوى تورطهم في هجمات مسلحة نتج عنها الكثير من الضحايا.

ومن بين هولاء 25 من قادة الأسرى مثل مروان البرغوثي وأحمد سعدات وعباس السيد وإبراهيم حامد وحسن سلامة وغيرهم، وجميعهم محكوم عليهم بالسجن مدى الحياة.

 

تراجع أمريكي مفاجئ بعد تدخل نتنياهو

بحسب مصادر قيادية في حركتي حماس والجهاد الإسلامي، فإن المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف ومستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر تراجعا عن تعهد سابق يضمن إطلاق سراح قائمة من كبار الأسرى، عقب اجتماع عقداه مع نتنياهو في تل أبيب يوم الجمعة الماضي.

وقال مصدر بارز في حماس إن نتنياهو أبلغ الوفد الأمريكي أن الإفراج عن القيادات الفلسطينية البارزة "مرفوض تمامًا، حتى لو أدى ذلك إلى انهيار الاتفاق"، مبررًا موقفه برفضه تكرار تجربة صفقة جلعاد شاليط عام 2011، التي أفرج بموجبها عن مئات الأسرى مقابل الجندي الإسرائيلي الأسير، بينهم قيادات بارزة مثل يحيى السنوار وروحي مشتهى، واللذان أصبحا لاحقًا في صدارة قيادة حماس.

ونقل ويتكوف للوسطاء أن نتنياهو يعتبر أي خطوة مشابهة "خطرًا أمنيًا واستراتيجيًا"، وأن حكومته لن تقبل إطلاق سراح من يصفهم بـ"العقول المدبرة" للمقاومة الفلسطينية، خصوصًا بعد هجوم السابع من أكتوبر الذي أعاد تشكيل الخريطة الأمنية والسياسية في المنطقة.

 

"قائمة الكبار": العقدة التي فجرت الخلاف

تشير المعلومات التي تسربت من داخل غرف التفاوض إلى أن الوفد الفلسطيني كان قد حصل على موافقة أمريكية مبدئية لإدراج عدد من الأسماء القيادية البارزة في صفقة التبادل، من بينهم:

مروان البرغوثي، القيادي البارز في حركة فتح.

أحمد سعدات، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

إبراهيم حامد وحسن سلامة، وهما من قيادات حماس المحكومين بعدة مؤبدات.

ورغم نفي متحدثة باسم الحكومة الإسرائيلية لاحقًا أن تشمل الصفقة البرغوثي تحديدًا، تمسكت الفصائل بالقائمة الكاملة حتى اللحظة الأخيرة، معتبرة أن إطلاق هؤلاء يشكل "رمزية سياسية ومعنوية" لإنهاء الحرب.

لكن بعد تدخل نتنياهو، أعلن المبعوث الأمريكي أن تنفيذ هذا البند "أصبح مستحيلًا"، مشيرًا إلى أن إسرائيل لن توافق على الإفراج عن من "تلطخت أيديهم بالدماء"، وفق تعبيره. كما استمر الخلاف حول عدد من الأسرى من كتائب القسام أُسروا خلال هجوم أكتوبر، وبينهم عبد الله البرغوثي وعباس السيد.

كحل بديل، اقترح ويتكوف إضافة 15 اسمًا جديدًا من الأسرى المحكومين بالمؤبدات ممن لا يحملون صفات قيادية، لكن الفصائل لم ترد رسميًا على المقترح بعد.

 

بيان الفصائل: “الاحتلال أجهض البند الأهم”

في بيان مشترك صدر مساء السبت، أكدت حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية أن الاحتلال "أجهض إطلاق عدد كبير من الأسرى في اللحظات الأخيرة"، لكنها أبدت استعدادها للمضي في تنفيذ باقي بنود الاتفاق "حقنًا لدماء الشعب الفلسطيني". ودعت الفصائل الوسطاء إلى "مواصلة الضغط على الاحتلال وضمان تنفيذ التعهدات الأمريكية التي بدأت تتآكل تحت وطأة الابتزاز الإسرائيلي".

 

خلفية اتفاق شرم الشيخ

تم التوصل إلى اتفاق شرم الشيخ في سبتمبر الماضي بوساطة أمريكية – مصرية – تركية – قطرية، بعد أشهر من المحادثات المكثفة لإنهاء حرب غزة التي تجاوزت العامين. ويتضمن الاتفاق مراحل متعددة أبرزها:

تبادل الأسرى:

إطلاق المقاومة الفلسطينية 47 محتجزًا إسرائيليًا، بينهم جثامين 25 إسرائيليًا.

في المقابل، يفرج الاحتلال عن 250 أسيرًا فلسطينيًا من ذوي الأحكام العالية.

تسليم عشرات من جثامين الشهداء الفلسطينيين المحتجزة لدى الجيش الإسرائيلي.

المساعدات والمعابر:

فتح المعابر المؤدية إلى غزة بشكل كامل.

دخول ما لا يقل عن 400 شاحنة مساعدات يوميًا، ترتفع لاحقًا إلى 600 وأكثر.

المرحلة الثانية:

انطلاق مفاوضات فورية لبحث الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع وضمان وقف دائم لإطلاق النار.

 

مستقبل غامض للاتفاق

يخشى مراقبون أن يؤدي تصلّب نتنياهو إلى انهيار الاتفاق الهشّ قبل دخوله حيز التنفيذ الكامل، خاصة مع تراجع الثقة بين واشنطن والفصائل التي اعتبرت أن الولايات المتحدة "تخلت عن دورها كضامن نزيه"، خضوعًا للضغوط الإسرائيلية.

وفي ظل هذا التراجع، تبقى صفقة الأسرى – التي كانت المفترض أن تكون "جسر الثقة الأول" بين الأطراف – العقبة الأبرز أمام تثبيت وقف النار وفتح أفق سياسي جديد بعد حرب استنزفت المدنيين وعمّقت الانقسام الإقليمي.