كشفت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان عن واقعة جديدة قالت إنها تمثل "جريمة قتل ميداني مكتملة الأركان"، متهمة وزارة الداخلية المصرية بإطلاق النار على ثلاثة شبان جامعيين في محافظة الدقهلية أثناء استقلالهم مركبة "توكتوك"، دون أي مبرر قانوني.
وبحسب بيان الشبكة، فإن قوات الأمن أطلقت النار مباشرة على الشبان الثلاثة، بينما حاولت لاحقاً تبرير الحادثة بالقول إنهم "تبادلوا إطلاق النار" مع الشرطة. لكن الشبكة أكدت أن السجلات الجنائية للشبان خالية من أي سوابق، مشيرة إلى أن رواية الداخلية "مختلقة ومكررة"، وتندرج ضمن سياسة الإفلات من العقاب التي تتبعها الأجهزة الأمنية منذ سنوات.
تفاصيل القتل
في الثاني من سبتمبر الماضي، وثّقت الشبكة المصرية مقتل ثلاثة شبان من محافظة الدقهلية برصاص قوات الأمن أثناء استقلالهم مركبة "توكتوك" في منطقة حوض الغندور بمركز منية النصر، دون أن يكونوا مسلحين أو مطلوبين أمنيًا. الضحايا هم: أحمد الشربيني المغاوري (22 عامًا)، خريج كلية الآداب بجامعة الدلتا؛ مروان وائل البيلي (21 عامًا)، موظف بشركة مياه الشرب والصرف الصحي بدمياط، معروف بحسن سيرته؛ وعمر حاتم المندرة، طالب هندسة إلكترونية بالمعهد العالي للتكنولوجيا بالمنزلة.
شهود العيان أكدوا أن الضابط محمد صبح من مباحث منية النصر أطلق النار عليهم بعد أن اصطدم جرار شرطة بمركبتهم أثناء مداهمة وكر مخدرات قريب، حيث حاولوا الرجوع مبتعدين عن الموقع. وأشارت الشهادات إلى أن قوات الأمن امتنعت عن إسعافهم، واقتادتهم أولًا إلى قسم الشرطة قبل نقلهم متأخرين إلى المستشفى، حيث فارق اثنان منهم الحياة بعد ساعات من محاولات إسعاف فاشلة.
وتأتي الحادثة ضمن سلسلة طويلة من وقائع القتل خارج نطاق القانون التي وثقتها منظمات حقوقية محلية ودولية، وسط تحذيرات من تحول هذه الانتهاكات إلى "نهج ممنهج" في إدارة الأمن الداخلي.
سلسلة انتهاكات موثقة.. من مطروح إلى سيناء
تشير تقارير المنظمات الحقوقية إلى أن ظاهرة القتل خارج القانون في مصر لم تعد حوادث فردية، بل جزء من نمط متكرر تتبناه السلطات تحت ذريعة "مكافحة الإرهاب" أو "الاشتباكات المسلحة".
وفيما يلي أبرز عشر وقائع تم توثيقها خلال السنوات الأخيرة:
- مطروح (أبريل 2025): مقتل الشابين يوسف السرحاني وفرج الفزاري (19 و20 عاماً) بعد ساعات من تسليم نفسيهما طوعاً بحضور وجهاء محليين. الداخلية قالت إنهما قُتلا في تبادل لإطلاق النار، لكن منظمات حقوقية بينها هيومن رايتس ووتش و14 منظمة أخرى أكدت أن الواقعة إعدام خارج القضاء، مشيرة إلى أن الشابين استُخدما كورقة ضغط للإفراج عن نساء معتقلات.
- أسيوط (سبتمبر 2025): داهمت قوة أمنية منزل المواطن عادل عون الله فرج سعيد في قرية بني شعران بمركز منفلوط، واحتجزت أسرته قبل أن تطلق عليه ثلاث رصاصات مباشرة أردته قتيلاً. وثّق الناشط الحقوقي أحمد عبد الباسط محمد الواقعة، مؤكداً أنها تمت دون مقاومة تُذكر.
- قسم شرطة بلقاس (يوليو 2025): وفاة الشاب أيمن صبري داخل الحجز أثارت موجة غضب واسعة. ناشطون وصفوا الواقعة بأنها "خالد سعيد جديد"، مطالبين بتحقيق قضائي نزيه في ظروف الوفاة.
- وفيات الأقسام (2024–2025): منصة زاوية ثالثة وثّقت 24 حالة وفاة داخل أقسام الشرطة خلال 18 شهراً فقط، تصدّرها قسم العمرانية بالجيزة بسبع حالات. وأكدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن معظمها ناتج عن تعذيب وإهمال طبي ممنهج.
- مطروح (يوليو 2023): مقتل المواطن حفيظ حوية عبد ربه أبو بكر برصاص ضابط شرطة، ما أدى إلى مواجهات مع الأهالي. لاحقاً تمت تبرئة الضابط بينما أُدين عدد من السكان المحليين، ما اعتبرته المنظمات الحقوقية دليلاً على انحياز قضائي صارخ.
- سيناء (2022): وثّقت صور ومقاطع فيديو بثتها مصادر محلية عمليات إعدام ميدانية نفذتها مجموعات قبلية موالية للجيش المصري، راح ضحيتها ثلاثة أشخاص على الأقل، في وقائع تُرجح المنظمات أنها جرت بعلم وتنسيق مع القوات النظامية.
- تقرير هيومن رايتس ووتش (سبتمبر 2021): بعنوان "تعاملت معهم القوات". التقرير وثّق 14 عملية قتل مشبوهة في تسع وقائع "تبادل إطلاق نار" مزعومة، وأكد أن الأدلة الميدانية تشير إلى أنها كانت إعدامات خارج القضاء.
- العريش (يناير 2017): الداخلية أعلنت مقتل عشرة شبان خلال مداهمة "وكر إرهابي"، لكن لاحقاً تبين أن ستة منهم كانوا مختفين قسرياً قبل إعلان مقتلهم، وفق منظمات حقوقية.
- فيديو مسرّب (أبريل 2017): أظهر مقطع مصور جنوداً في الجيش المصري يُعدِمون معتقلين عزلاً في سيناء ويضعون أسلحة بجوار جثثهم لتصوير الواقعة كـ"اشتباك مسلح". منظمة العفو الدولية اتهمت الجيش بتنفيذ سبع عمليات قتل غير مشروع على الأقل في تلك الفترة.
اتهامات متكررة وإفلات من العقاب
تُجمع المنظمات الحقوقية على أن البيانات الرسمية لوزارة الداخلية تتبع نمطاً ثابتاً يقوم على تلفيق روايات تبادل إطلاق النار لتبرير القتل، بينما يتم إغلاق الملفات دون تحقيق قضائي مستقل.
ويقول باحثون في حقوق الإنسان إن غياب المساءلة شجع على تكرار هذه الانتهاكات، محذرين من أن سياسة "القتل الوقائي" أصبحت أداة لترهيب المعارضين والمواطنين على حد سواء.
في المقابل، ترفض حكومة الانقلاب هذه الاتهامات وتعتبرها "ادعاءات مسيسة"، مؤكدة أن قواتها "تتعامل في إطار القانون لمكافحة الإرهاب".
لكن استمرار توثيق هذه الحوادث من مصادر متعددة، محلية ودولية، يعمّق الشكوك حول منظومة العدالة الجنائية في البلاد، ويطرح تساؤلات حول مستقبل حقوق الإنسان في مصر في ظل تزايد العنف الأمني وتراجع المساءلة.