تزامناً مع اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، والموافق 10 أكتوبر من كل عام تجد مصر نفسها مرة أخرى في صدارة الجدل الحقوقي الدولي، بعد أن تحولت هذه العقوبة من أداة للعدالة إلى وسيلة لتصفية الخصوم السياسيين وإرهاب المعارضين.
التقارير الصادرة عن منظمات حقوقية مصرية ودولية هذا الأسبوع كشفت عن اتساع غير مسبوق في تطبيق عقوبة الإعدام، في ظل نظام قضائي يصفه المراقبون بأنه يعاني من "خلل بنيوي" ويفتقر إلى أبسط معايير العدالة والنزاهة.
 

أرقام صادمة تكشف تسييس القضاء
منذ يوليو 2013، تاريخ الانقلاب على الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي، أخذت عقوبة الإعدام في مصر منحى سياسياً واضحاً. ووفقاً لإحصاءات مركز الشهاب لحقوق الإنسان، أصدر القضاء المصري منذ ذلك الحين 2300 قرار بإحالة أوراق متهمين إلى المفتي في قضايا ذات طابع سياسي، بينما صدر 1613 حكماً نهائياً بالإعدام، نُفذ منها ما لا يقل عن 105 أحكام منذ عام 2015.

ويؤكد الحقوقي خلف بيومي أن معظم هذه الأحكام تأتي نتيجة محاكمات تفتقر لضمانات العدالة، مشيراً إلى أن العديد من المتهمين تعرضوا للاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب لانتزاع اعترافات، قبل أن يُحاكموا أمام دوائر استثنائية كـ"محاكم الإرهاب" و"أمن الدولة طوارئ" و"المحاكم العسكرية"، التي لا تتيح حق الدفاع الكامل أو الطعن الحقيقي.

ويضيف بيومي أن هذه الممارسات تجعل من الإعدام "أداة انتقام سياسي" أكثر من كونه حكماً قضائياً، مؤكداً أن "أحكام الموت في مصر لا تُبنى على أدلة قاطعة، بل على ملفات أمنية موجهة مسبقاً".
 

تصاعد مقلق واتجاه جديد نحو إعدام النساء
لم يعد التوسع في تنفيذ الإعدامات مقتصراً على القضايا السياسية، إذ رصدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تصاعداً مطرداً في عدد أحكام الإعدام الصادرة في القضايا الجنائية أيضاً.
فقد ارتفعت الأرقام من 295 حكماً في عام 2020 إلى 403 في 2021، ثم إلى 538 حكماً في 2022، وهي الذروة التي لم تشهدها البلاد منذ عقود. واستمر المنحى في عامي 2023 و2024، حيث صدرت 348 و380 حكماً على التوالي، بينما شهد النصف الأول من عام 2025 وحده 269 حكماً بالإعدام.

الأكثر إثارة للقلق، بحسب حملة "أوقفوا عقوبة الإعدام في مصر"، هو الاتجاه المتزايد نحو إصدار أحكام الإعدام بحق النساء.
فقد شهد عامَا 2023 و2024 صدور 963 حكماً بالإعدام، بينها 84 حكماً ضد سيدات، في حين كانت 31 امرأة من بين 342 محكوماً بالإعدام خلال النصف الأول من عام 2025.

وترى المفوضية المصرية للحقوق والحريات أن هذه الأرقام تعكس "رؤية قضائية أحادية يهيمن عليها الرجال"، تتجاهل الظروف الاجتماعية والنفسية المعقدة التي تواجه النساء، بما في ذلك العنف الأسري والاستغلال الاقتصادي، وهي عوامل غالباً ما تكون وراء الجرائم التي تُدان بها المتهمات.

وتشير المفوضية إلى أن القضاء المصري لا يأخذ هذه الظروف التخفيفية بعين الاعتبار، مما يجعل الإعدام "عقوبة غير عادلة من حيث الجوهر والإجراءات".
 

عدالة على حافة الانهيار
هذا التوسع المفرط في إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام دفع منظمات دولية إلى دق ناقوس الخطر بشأن انهيار معايير العدالة في مصر. فبحسب "مؤشر سيادة القانون" لعام 2024، تحتل القاهرة المرتبة 135 من بين 142 دولة، وهو ما يعكس ضعف استقلالية القضاء وارتفاع معدلات الانتهاكات أثناء التحقيق والمحاكمة.

ويحذر خبراء حقوقيون من أن غياب الثقة في المؤسسات القضائية يعني أن خطر الإعدام الخطأ بات كبيراً للغاية، خصوصاً في القضايا التي تعتمد على اعترافات قسرية أو تحريات أمنية غير موثقة. ومع كون عقوبة الإعدام نهائية وغير قابلة للتراجع، فإن أي خطأ قضائي يصبح جريمة لا يمكن تصحيحها.

وفي مواجهة الانتقادات، عادة ما تبرر سلطات الانقلاب موقفها بالإشارة إلى أن "الإعدام جزء من الشريعة الإسلامية"، لكن الحقوقي خلف بيومي يرد على ذلك قائلاً إن "هذه حجج تُستخدم لتبرير القمع"، مستشهداً بالقاعدة الفقهية "ادرؤوا الحدود بالشبهات"، مؤكداً أن ما تشهده مصر من تعذيب وإخفاء قسري وإنكار لحقوق الدفاع يثير من الشبهات ما يكفي لإسقاط العقوبة لا تنفيذها.
 

ضغوط دولية ورفض رسمي
تواجه القاهرة اليوم ضغوطاً متزايدة من المجتمع الدولي، بعد أن صوتت 130 دولة في الأمم المتحدة لصالح قرار يدعو إلى وقف تنفيذ عقوبة الإعدام تمهيداً لإلغائها. ومع ذلك، ترفض الحكومة المصرية هذه الدعوات، متمسكة بتطبيق العقوبة في أكثر من 105 جريمة مختلفة، من بينها جرائم لا تتصل بالعنف أو القتل.

وبينما تؤكد منظمات حقوقية أن السجون المصرية تشهد معاملة غير إنسانية للمحكومين بالإعدام، وتؤجل تنفيذ الأحكام لأشهر أو سنوات في ظروف قاسية، تستمر السلطات في الدفاع عن نهجها، متذرعة بـ"تطبيق القانون".

في المحصلة، تضع هذه الممارسات الحق في الحياة ذاته على المحك، وتكشف أن الأزمة في مصر لم تعد تتعلق فقط بعدد الأحكام أو تنفيذها، بل بطبيعة نظام العدالة نفسه، الذي يبدو أنه يسير بخطى متسارعة نحو فقدان آخر ما تبقى من مصداقيته أمام الداخل والخارج على حد سواء.