في الوقت الذي أعلن فيه مصطفى مدبولي، رئيس حكومة عبدالفتاح السيسي، خلال مؤتمر صحفي عقب جولته في حديقة الفسطاط، أن الحكومة تمكنت من تجاوز أزمة نقص المعلمين في المدارس، تكشف البيانات الرسمية والتقارير الحقوقية والصحفية عن صورة مغايرة تمامًا، تؤكد استمرار الأزمة وتفاقمها خلال السنوات الأخيرة، بما يعكس فجوة واضحة بين الخطاب الرسمي والواقع على الأرض.

فبينما شدّد مدبولي على أن الحكومة "بدأت تتجاوز الأزمة" خلال العامين الماضيين، تشير إحصاءات وزارة التربية والتعليم نفسها إلى تراجع أعداد المعلمين بشكل ملحوظ منذ عام 2020 وحتى العام الدراسي الحالي 2025/2024.

ووفقًا للكتاب الإحصائي السنوي الصادر عن الوزارة، فقد تراجع عدد المعلمين في المدارس الحكومية من 897.1 ألف معلم عام 2020/2021، إلى 766.9 ألف فقط في العام الدراسي الحالي، بانخفاض يقارب 130 ألف معلم خلال خمس سنوات.

هذا التراجع المستمر يوضح أن محاولات الحكومة لسد الفجوة لم تنجح، بل واجهت انتقادات واسعة من المعلمين أنفسهم ومنظمات حقوقية. ففي يوليو الماضي، صرّح وزير التعليم، محمد عبد اللطيف، بأن وزارته عالجت أزمة العجز التي وصلت إلى 469 ألف معلم، عبر إجراءات منها الاستعانة بمعلمي الحصة، وزيادة مدة العام الدراسي من 23 إلى 31 أسبوعًا، وتقليل حصص المواد الأساسية ليتسنى للمعلمين تدريس مواد أكثر. الوزير وصف ذلك بأنه "زيادة قوة التدريس بنسبة 135%"، إلا أن هذه الإجراءات لم تعكس معالجة حقيقية للمشكلة، بل حملت المعلمين أعباء إضافية دون ضمانات عادلة.

تصريحات أخرى من أيمن بهاء الدين، نائب وزير التعليم، كشفت بوضوح أن "العجز ما زال موجودًا"، موضحًا أن ما جرى هو سد جزء منه عبر منح مديري المدارس سلطة الاستعانة بمعلمين مؤقتين، في خطوة وُصفت بأنها حل مؤقت لا يعالج الجذور.

لكن هذه الحلول المؤقتة كانت محل انتقاد حقوقي حاد. فالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية اعتبرت في بيان لها في أغسطس 2024 أن الاعتماد على المعلمين المؤقتين "يرسخ التمييز والظلم ويهدد الحقوق الدستورية في الأجر العادل والضمانات الاجتماعية"، وهو ما ينعكس سلبًا على جودة العملية التعليمية برمتها.

من جانب آخر، كشفت تقارير صحفية، عن أوضاع بالغة السوء لمعلمي الحصة، الذين يعانون ضعف المقابل المادي، وتأخر صرفه أو حرمانهم منه، بجانب عدم حصولهم على إجازات أسوة بزملائهم المعينين، في وقت يطالبون فيه بإنهاء هذا النظام واللجوء إلى التعيين الكامل لضمان الاستقرار الوظيفي والمهني.

الحكومة حاولت تقديم مبادرات لحل الأزمة عبر تنظيم مسابقات لتعيين معلمين جدد، مثل إعلان عبد الفتاح السيسي في 2022 عن تعيين 150 ألف معلم، وتصريح وزير التعليم مؤخرًا عن نية الوزارة تعيين 100 ألف آخرين. غير أن هذه الأرقام ما زالت غير كافية أمام حجم العجز الضخم، خاصة في ظل استمرار تراجع الأعداد الفعلية للمعلمين عامًا بعد عام.

وتتداخل أزمة نقص المعلمين مع أزمة أوسع تتعلق بتمويل التعليم في مصر، حيث يشير خبراء وتقارير حقوقية إلى أن الحكومة لا تلتزم بالنسبة الدستورية المقررة للإنفاق على التعليم قبل الجامعي، ما يفاقم من تدهور الأوضاع ويعطل أي خطط إصلاح جذرية للقطاع.

لتظل الحقيقة الواضحة أن تصريحات الحكومة عن تجاوز أزمة نقص المعلمين لا تصمد أمام الأرقام والوقائع، بل تكشف عن أزمة متفاقمة، يدفع ثمنها في النهاية الطلاب والمعلمون ومستقبل العملية التعليمية في مصر.