يُعدّ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الذي تم التوصل إليه بعد مفاوضات ماراثونية في شرم الشيخ، محطة فاصلة في مسار الحرب التي استمرت عامين وأرهقت المنطقة سياسيًا وإنسانيًا. إذ يرى مراقبون أن الاتفاق يفتح نافذة أمل نحو إنهاء الصراع، لكنه في الوقت نفسه يضع الأطراف أمام اختبار صعب يتعلق بآليات التنفيذ ومستقبل إدارة القطاع.

 

اتفاق يفتح مرحلة جديدة

الاتفاق الذي رعته مصر بمشاركة أطراف عربية ودولية، اعتُبر خطوة أولى نحو إعادة الاستقرار إلى غزة. فقد نصت المرحلة الأولى على وقف إطلاق النار المتبادل بين حماس وإسرائيل، مع تنفيذ عملية تبادل للأسرى تشمل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين الأحياء مقابل 2000 أسير فلسطيني، بينهم مئات من أصحاب الأحكام العالية والمؤبدات. كما يتضمن الاتفاق إدخال مساعدات إنسانية عاجلة إلى القطاع، وبدء ترتيبات ميدانية تمهّد لإعادة الإعمار ورفع الحصار.

ويرى اللواء سمير فرج، الخبير العسكري والاستراتيجي، أن الدور المصري كان حاسمًا في تقريب وجهات النظر ودفع المفاوضات نحو حل سياسي “يضع حدًا للحرب ويؤسس لسلام مستدام”. وأشار إلى أن حضور الأطراف العربية والدولية في شرم الشيخ “يعكس جدية الخطوة وأثرها المحتمل على استقرار المنطقة”.

 

التحديات التنفيذية والسياسية

رغم التفاؤل النسبي، يُجمع الخبراء على أن التحديات العملية والسياسية أمام الاتفاق كبيرة. فالمحلل الفلسطيني عبد المهدي مطاوع يؤكد أن الاتفاق يمثل “تقدمًا حذرًا”، لكنه لا يخلو من احتمالات تعديل البنود خلال التطبيق، خصوصًا في الملفات الحساسة مثل نزع سلاح حماس وإدارة القطاع بعد انتهاء الحرب.

وتبقى آليات مراقبة وقف إطلاق النار والجدول الزمني للانسحاب الإسرائيلي من أبرز الملفات العالقة، بينما يُخشى أن تؤدي الخلافات حول من يتولى إدارة غزة إلى تعطيل التنفيذ. بعض المراقبين يحذرون من أن فشل تطبيق الاتفاق كاملاً قد يعيد الأمور إلى نقطة الصفر.

 

الموقف الدولي والإقليمي

أشادت حماس بدور الوسطاء من مصر وقطر وتركيا، ووجهت شكرًا خاصًا للمساعي الأمريكية، مؤكدة أن الاتفاق يحفظ “حق المقاومة” ويضع حدًا لمعاناة المدنيين. ودعت الحركة المجتمع الدولي إلى الضغط على إسرائيل لضمان التزامها وعدم المماطلة، في وقت اعتبر فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن الاتفاق يمثل “خطوة مهمة نحو السلام والاستقرار الدائمين في المنطقة”، مؤكدًا أن الهدف الأبعد هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة معترف بها دوليًا.

أما على الصعيد الدولي، فقد وصف مسؤولون في واشنطن الاتفاق بأنه اختبار لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي تتضمن تشكيل قوة دولية لتثبيت الأمن في غزة، وهو مقترح يراه البعض طموحًا لكنه محفوف بمخاطر التطبيق إذا لم تتوافر إرادة سياسية حقيقية لدى الأطراف كافة.

 

رؤى وتحليلات متباينة

تعددت المواقف والتحليلات حول الاتفاق ودلالاته. الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة اعتبر أن الاتفاق يجب أن يُفهم في سياق “بؤس وضع الكيان الإسرائيلي في العالم”، مؤكدًا أن المقاومة الفلسطينية “أعادت كرامة الأمة ورفعت راية الحرية”، ووصف “نصر طوفان الأقصى” بأنه “تاريخي ألحق هزيمة غير مسبوقة بالجيش الإسرائيلي”. كما انتقد “الصمت العربي والدولي” إزاء جرائم الاحتلال، معتبرًا أن الصراع اليوم هو ضد الاحتلال وضد “التواطؤ الإقليمي”.

أما الباحث مأمون فندي، فأوضح أن المقاومة “لم تنكسر قط”، بل أثبتت في هذه الحرب قدرتها على تحقيق توازن ردع رغم الفارق الكبير في القوة، مشيرًا إلى أن صمود غزة “ملهم ويعبر عن وعي سياسي وتنظيمي متقدم”.

من جانبه، أوضح المحلل العسكري محمود جمال أن ما تحقق في غزة يُعد “انتصارًا استراتيجيًا” للمقاومة التي “أدارت المعركة بكفاءة وكبّدت الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة”. وأكد أن الاحتلال فشل في تحقيق أهدافه المعلنة مثل القضاء على المقاومة أو السيطرة الكاملة على القطاع، مشددًا على أن الاتفاق “فرض إرادة المقاومة على العدو”.

في المقابل، يشير نظام المهداوي إلى أن حماس ومعها أطراف إقليمية، تعاملت مع الاتفاق بوعي سياسي كبير، إذ رأت فيه فرصة لضبط الأوضاع والحفاظ على مكتسبات المقاومة دون التفريط بالقدرة على الردع أو حق الدفاع عن الشعب الفلسطيني.

 

اختبار مصيري لغزة والمنطقة

يُجمع الخبراء على أن اتفاق شرم الشيخ يمثل انفراجة سياسية غير مسبوقة منذ سنوات، لكنه لا يعني نهاية الصراع ما لم تتوافر إرادة حقيقية للتنفيذ. فنجاح الاتفاق مرهون بمدى التزام إسرائيل بالبنود المتفق عليها، وبقدرة الأطراف الفلسطينية على إدارة المرحلة المقبلة بوحدة موقف وواقعية سياسية.

وبين التفاؤل الحذر والتشكيك الواقعي، تبقى غزة أمام مفترق طرق: إما أن تكون هذه الهدنة مدخلًا لسلام عادل ومستدام، أو أن تتحول إلى هدنة مؤقتة تسبق جولة أخرى من الدمار.
ورغم كل المخاوف، يبقى الأمل معقودًا على أن يكون اتفاق شرم الشيخ بداية حقيقية لإنهاء دوامة الحرب، واستعادة حياة طبيعية لشعب أنهكته المآسي والصراعات.