شهدت الساحة الرياضية في إسبانيا حدثًا لافتًا عندما أعلن منظمو بطولة الشطرنج الدولية في مدينة سيستاو عن انسحاب سبعة لاعبين إسرائيليين كانوا مسجلين للمشاركة في البطولة، بعد إبلاغهم بأنهم لن يتمكنوا من التنافس تحت علم الاحتلال الإسرائيلي. القرار، الذي برره المنظمون باعتبارات إنسانية مرتبطة بالصراع في غزة، فتح الباب أمام جدل واسع حول تداخل الرياضة بالسياسة، خاصة في ظل تصاعد التضامن الأوروبي مع القضية الفلسطينية.
 

خلفية القرار ودلالاته
بحسب ميغيل أنخيل أولمو، رئيس نادي سيستاو للشطرنج المنظم للبطولة، فإن الانسحاب جاء تدريجيًا حيث غادر اللاعبون واحدًا تلو الآخر، وكان آخرهم قد انسحب صباح يوم انطلاق البطولة.
وأكد أولمو أن النادي تصرف وفقًا للقواعد الدولية لكنه دعا اللاعبين إلى عدم المشاركة، شاكرًا لهم ما اعتبره "تفهمًا إنسانيًا" للوضع القائم.

القرار جاء ليؤكد أن الرياضة لم تعد بمنأى عن التطورات السياسية، خاصة مع الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة والتي خلفت عشرات الآلاف من الضحايا.
فبحسب المنظمين، لا يمكن إغلاق الأبواب أمام ما وصفوه بـ"الالتزامات الأخلاقية والإنسانية" التي تفرض نفسها على المجتمع الإسباني في هذه المرحلة.
 

موقف الاتحاد الدولي للشطرنج
من جانبه، أوضح الاتحاد الدولي للشطرنج (FIDE) أنه لم يُستشر في القرار ولم يكن على علم مسبق به.
وفي بيان رسمي، شدد الاتحاد على رفضه أي شكل من أشكال التمييز، بما في ذلك التمييز على أساس الجنسية أو العلم.
وأشار إلى أن اللاعبين الإسرائيليين لا يخضعون لأي قيود دولية تمنعهم من التنافس تحت علمهم، على عكس ما هو مطبق بحق لاعبي روسيا وروسيا البيضاء منذ عام 2022.

هذا التباين بين موقف الاتحاد الدولي وموقف المنظمين الإسبان يعكس بوضوح حجم الانقسام بين المؤسسات الرسمية والهيئات المحلية، حيث يميل الشارع الإسباني والعديد من المنظمات المدنية إلى التضامن الصريح مع فلسطين، بينما تحاول الاتحادات الدولية الرياضية التمسك بـ"الحياد" وتفادي إقحام السياسة في الرياضة.
 

البطولة بين المنافسة والتضامن
بطولة سيستاو المفتوحة جمعت هذا العام أكثر من 250 لاعبًا من 33 دولة، ما منحها بعدًا دوليًا مهمًا.
ورغم ذلك، اختارت اللجنة المنظمة أن توازن بين التزامها بقواعد الاتحاد الدولي وبين ما وصفته بـ"قناعاتها الإنسانية".
وأكدت في بيانها أنها حاولت إيجاد حل سلمي يضمن احترام اللاعبين والجمهور على حد سواء، لكنها في النهاية فضلت الموقف الأخلاقي.

وفي بادرة رمزية، أعلنت إدارة النادي أنها ستعرض أعلام جميع الدول المشاركة بما في ذلك علم فلسطين، في رسالة واضحة لدعم الشعب الفلسطيني وإبراز التضامن الرياضي مع قضيته.
 

المظاهرات الموازية للبطولة
لم يتوقف الأمر عند حدود المنافسة الرياضية، إذ أعلن النادي عن دعمه للمظاهرات السلمية التي تعتزم جمعيات محلية تنظيمها في مدينة سيستاو تضامنًا مع الفلسطينيين.
وقال رئيس النادي ميغيل أنخيل أولمو إن هذه المظاهرات ستسلط الضوء إعلاميًا على موقف النادي، كما ستشرح للجمهور الخطوات التي تم اتخاذها بحق اللاعبين الإسرائيليين.
 

الرياضة الإسبانية في قلب السياسة
هذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها الرياضة الإسبانية توترات سياسية مرتبطة بالقضية الفلسطينية.
ففي وقت سابق من هذا العام، جرى تقليص بعض مراحل سباق إسبانيا للدراجات في مدينة بيلباو بعد احتجاجات مؤيدة لفلسطين طالبت بطرد فريق "إسرائيل بريمير تيك" من المنافسة.

هذا التداخل بين الرياضة والسياسة في إسبانيا يعكس حجم التعاطف الشعبي مع الفلسطينيين، خاصة في إقليم الباسك المعروف بمواقفه المعارضة للسياسات الغربية التقليدية.
كما يسلط الضوء على الدور المتنامي للرياضة كمنصة للتعبير عن مواقف سياسية وإنسانية.

وفي النهاية فانسحاب اللاعبين الإسرائيليين من بطولة الشطرنج في سيستاو يمثل حلقة جديدة في سلسلة التوترات التي تلاحق الرياضة العالمية في ظل الحرب على غزة.
وبينما يتمسك الاتحاد الدولي للشطرنج بموقفه الرافض للتمييز، يصر المنظمون المحليون على أن الاعتبارات الإنسانية تفوق في أهميتها أي التزامات شكلية.

هكذا تحولت بطولة رياضية عادية إلى ساحة تعبير عن التضامن مع فلسطين، ورسالة واضحة بأن الرياضة ليست بعيدة عن السياسة، وأن أصوات الشعوب قادرة على فرض نفسها حتى داخل أروقة المنافسات الدولية.