لم يعد تجنيس الرياضيين المصريين ظاهرة فردية أو استثناءً محدودًا، بل تحوّل خلال السنوات الأخيرة إلى موجة متصاعدة تكشف عمق أزمة الدعم والإدارة داخل المنظومة الرياضية المصرية. من الإسكواش إلى المصارعة، ومن الملاكمة إلى التايكوندو، تتكرر الحكاية ذاتها: أبطال صنعوا المجد بأيديهم، ثم وجدوا أنفسهم يودّعون راية الوطن بحثًا عن الاحترام والفرص في الخارج.

 

من بين هذه القصص المؤلمة والمثيرة في آن واحد، تبرز حكاية عبد الله شعبان، بطل مصر السابق في المصارعة، الذي حمل حلم بلده طويلًا قبل أن يجد نفسه مضطرًا إلى تمثيل منتخب فرنسا، بعد أن ضاقت به سبل الحياة داخل وطنه.

 

"كنت بقبض 1300 جنيه".. بداية النهاية

 

يقول عبد الله في حديث صحفي أثار موجة من الجدل: "كنت بطل أفريقيا أربع مرات، وخامس أولمبياد الشباب في الأرجنتين 2018، وكنت بقبض 1300 جنيه في الشهر… كنت بحاول أعيش وأتمرن وأمثل مصر، لكن مفيش تقدير ولا دعم ولا مستقبل واضح".

 

كلمات موجعة تختصر رحلة طويلة من المعاناة. بطل يرفع علم مصر في المحافل الدولية، ثم يعود إلى بيته مثقلًا بالديون، عاجزًا عن تلبية أبسط احتياجاته.

 

من القاهرة إلى مرسيليا.. رحلة بحث عن الاحترام

 

في عام 2022، وبعد محاولات متكررة للحصول على دعم أو حتى فرص عادلة في المعسكرات والتجهيزات، قرر عبد الله أن يطوي صفحة تمثيل مصر، ويسافر إلى فرنسا، وهناك، التحق بنادي ماسيليا للمصارعة، الذي تكفل بجميع مصاريفه الشخصية والتدريبية، ووفّر له بيئة احترافية حقيقية.

 

وفي فترة وجيزة، أثبت البطل المصري جدارته، حيث حقق إنجازات متتالية توّجها في عام 2025 بحصوله على ذهبية بطولة فرنسا للمصارعة، ليصبح أحد أبرز نجوم اللعبة في أوروبا.

 

أزمة تتجاوز عبد الله.. ظاهرة وطنية مقلقة

 

قضية عبد الله ليست سوى مرآة تعكس أزمة أعمق في بنية الرياضة المصرية. فخلال الأعوام الأخيرة، شهدت الساحة الرياضية سلسلة من حالات التجنيس للاعبين مصريين من مستويات مختلفة.
أبرزهم:

 

محمد الشوربجي، أحد أعظم لاعبي الإسكواش في العالم، الذي قرر تمثيل إنجلترا بعد سنوات من التجاهل.

 

محمد إبراهيم "كيشو"، صاحب برونزية طوكيو 2020 في المصارعة، الذي اتجه إلى الولايات المتحدة بحثًا عن فرص أفضل.

 

هذه الحالات تؤكد أن المسألة لم تعد مجرد "اختيارات فردية"، بل هي نتيجة مباشرة لسياسات تفتقر إلى العدالة والتخطيط والرؤية.

 

الأبطال بلا مستقبل.. والرياضة بلا مشروع

 

يواجه الأبطال في الألعاب الفردية تحديات مالية هائلة، إذ لا يتجاوز الدعم الشهري للبعض ألفي جنيه، في حين يتحمل اللاعب تكاليف التغذية، المعسكرات، والعلاج من إصاباته على نفقته الخاصة.

 

ولا توجد منظومة حقيقية لرعاية المواهب بعد مرحلة البطولات، ما يدفع الكثيرين للبحث عن فرص خارجية تحفظ كرامتهم وتؤمّن مستقبلهم.

 

رسالة عبد الله إلى المسؤولين: "احترموا الأبطال قبل أن يخسروكم"


في تصريحات مؤثرة، وجّه عبد الله شعبان رسالة مفتوحة إلى المسؤولين في الرياضة المصرية قائلاً: "أنا مكنتش عايز أمثل غير بلدي، لكن لما بلدي ماقدرتنيش، اضطريت أدور على مكان يقدر اللي بقدمه، لو الدولة اهتمت بالأبطال فعلاً، محدش هيفكر يمشي".