أثارت تصريحات الناشطة الحقوقية آية حجازي بشأن معاناة سكان غزة جدلًا واسعًا، بعدما تحدثت عن “المواطن الغزّي العادي” الذي يريد فقط أن يعيش ويحاسب سلطته كما لو كان في دولة طبيعية. لكن هذا الخطاب، بحسب المفكر مأمون فندي، ينطوي على “خطورة بالغة” لأنه يُفرغ السياق السياسي من مضمونه ويحوّل الكارثة إلى مجرد “مأساة إنسانية”.
 

“غزة ليست دولة طبيعية”
فندي أكد أن أخطر ما في خطاب حجازي هو تصوير غزة كساحة سياسية طبيعية، وقال:“حين يُقدَّم قطاع غزة كمكان طبيعي تُمارَس فيه المعارضة السياسية، فإن هذا يُغفل الحقيقة الأساسية: أن غزة ليست دولة، بل أرض محتلة تُباد بآلة استعمارية ممنهجة.”
ويرى أن حصر المأساة في معادلة “حماس مقابل المواطن” تبسيط مخل، لأنه يُسقط الاحتلال من موقع الفاعل الرئيس.
 

من النكبة إلى اليوم: التاريخ لا يبدأ مع حماس
حجازي، بحسب فندي، تعاملت مع الوضع وكأن المعاناة بدأت مع سوء إدارة حماس، لكن الرد واضح:
“في هذا الخطاب، يتم إزاحة الاحتلال من موقع الفاعل، وتُصبح الإبادة نتيجة ‘سوء إدارة حماس’. وكأن المعاناة بدأت معها، لا قبلها. هذا محو للتاريخ، فالإبادة الأولى كانت عام 1948، والثانية عام 1967، ومجازر دير ياسين وصبرا وشاتيلا قبل نشوء حماس أصلًا.”
بذلك، يعيد خطاب حجازي إنتاج رواية استعمارية، حيث تتحول المقاومة من نتيجة إلى سبب، وتُمحى جذور القضية.
 

تحييد الجريمة: من استعمار إلى كارثة إنسانية
فندي استند في نقده إلى أطروحات أكاديمية مثل ديريك غريغوري وجوديث بتلر، موضحًا:
“تحويل الكارثة السياسية إلى حالة إنسانية، وإن بدا متعاطفًا، يُعيد إنتاج خطاب الاستعمار، حيث يُقدَّم العنف على أنه مجرد كارثة طبيعية.”
بهذا، يصبح القصف والتجويع أشبه بزلزال أو مجاعة، بدلًا من كونه إبادة ممنهجة بصواريخ أمريكية الصنع وأموال دافعي الضرائب الغربيين.
 

من “الحياة الكريمة” إلى “الحياة العارية”
واحدة من أهم نقاط فندي أن خطاب حجازي يحصر الفلسطيني في حدود البقاء البيولوجي فقط:
“تدّعي الأستاذة آية أنها تنقل صوت ‘الغزّي العادي’… وهذا توصيف صادق ومؤلم، لكنه ليس بديلًا عن الخطاب التحرري، بل هو جزء من النتيجة التي أرادها الاستعمار: إنسان لا يطالب بالحرية، بل فقط بالحياة الدنيا.”
وهنا يستحضر فندي مفهوم جورجيو أغامبن عن “الحياة العارية”، أي الإنسان الذي يُنظر إليه ككائن محتاج للرحمة، لا كصاحب حق سياسي وكرامة كاملة.
 

النقد حق… لكن الاحتلال أولًا
فندي لا ينكر أن من حق المواطن أن ينتقد حماس أو غيرها، بل يذهب إلى القول:
“من مات له نصف أسرته بخيرة شبابها لا ألومه لو (سب الدين لحماس)… لكن من حقنا أيضًا أن نُعيد ترتيب أولويات المعركة: الاحتلال أولًا، والحرية شرط للحياة الكريمة.”
وبهذا يفرّق بين النقد الفردي الناتج عن الألم وبين تبني خطاب يختزل المأساة كلها في سوء الإدارة المحلية.
https://x.com/mamoun1234/status/1953142605329367424
 

خلاصة رد فندي على آية حجازي أن تصوير غزة كأرض يعاني فيها مواطنون من حكومة سيئة هو خطاب يجمّل الاحتلال بدل أن يواجهه. الاحتلال، وليس الجوع فقط، هو أصل الحكاية. وما يحدث في غزة ليس “أزمة” إنسانية فحسب، بل إبادة منظمة في إطار مشروع استيطاني استعماري.