شهدت بريطانيا تطورًا لافتًا تمثل في إغلاق مقر شركة Elbit Systems، أكبر شركة صهيونية متخصصة في صناعة الأسلحة، بعد سنوات من الجدل والاحتجاجات.
وتأتي هذه الخطوة في وقت بالغ الحساسية بالنسبة للاحتلال الصهيوني، حيث يتعرض جيشه لانتقادات واسعة بسبب استخدام الأسلحة الصهيونية في حرب غزة، بينما تتنامى الحركات الشعبية والدولية المناهضة للتعاون العسكري معه.
القرار الذي برز كمفاجأة لم يقتصر على كونه حدثًا اقتصاديًا، بل اكتسب أبعادًا سياسية وقانونية، لكون الشركة تمثل ركيزة أساسية في منظومة التسليح الصهيونية.

تُعتبر شركة Elbit Systems العمود الفقري لصناعة الطائرات المسيّرة والمعدات العسكرية المتقدمة التي يعتمد عليها جيش الاحتلال الصهيوني في عملياته العسكرية.
الشركة، التي تنتج أنظمة مراقبة وتجسس وأسلحة دقيقة، لعبت دورًا محوريًا في الهجمات الجوية على قطاع غزة، خصوصًا عبر طائراتها المسيّرة، التي وثّقت منظمات حقوقية استخدامها في استهداف المدنيين والبنية التحتية.

وجود فرع للشركة في بريطانيا كان يثير جدلًا مستمرًا، حيث وفّرت الشركة خدمات وبحوثًا تقنية للحكومة البريطانية ولعدد من الشركات الأوروبية.
ومع تصاعد الغضب الشعبي من سياسات الاحتلال الصهيوني، برزت Elbit Systems كرمز للتواطؤ الغربي مع ما يصفه منتقدون بجرائم حرب.
 

"فلسطين أكشن" والضغط الشعبي
الاحتجاجات ضد الشركة قادتها منظمة "فلسطين أكشن"، وهي حركة ناشطة على الأراضي البريطانية تهدف إلى تعطيل عمل الشركات المتعاونة مع جيش الاحتلال.
المنظمة نظّمت اعتصامات، واقتحامات لمقار الشركة، وأعمال احتجاجية وُصفت أحيانًا بأنها عنيفة، الأمر الذي دفع السلطات البريطانية إلى تصنيفها كمنظمة "إرهابية".

ورغم هذه الوصمة، حصلت المنظمة مؤخرًا على إذن بمراجعة قضائية للقرار، ما منحها زخمًا جديدًا في مواجهة الحكومة.
هذا التطور اعتُبر نصرًا رمزيًا للحركة، وأضفى شرعية على خطابها الذي يربط نشاط "إلبيت" بجرائم الحرب في غزة.
ومع الضغوط المتواصلة، بدا أن الشركة لم تعد قادرة على الاستمرار في بيئة عدائية، ما دفعها إلى اتخاذ قرار الإغلاق.
 

انعكاسات سياسية وقانونية
إغلاق المقر البريطاني لـ Elbit Systems يحمل في طياته أبعادًا أعمق من كونه مجرد إجراء إداري.
فمن ناحية، يُعتبر الأمر إشارة إلى تزايد قوة الحركات الشعبية في التأثير على الشركات العملاقة، حتى في مجالات حساسة مثل الصناعات الدفاعية.
ومن ناحية أخرى، يسلط الضوء على التناقضات في السياسة البريطانية، التي لطالما قدمت دعمًا سياسيًا وأمنيًا للاحتلال، لكنها تجد نفسها اليوم أمام ضغط داخلي متصاعد ضد التعاون العسكري.

في هذا السياق، يرى مراقبون أن قرار الشركة قد يشكل بداية لسلسلة انسحابات أخرى لشركات صهيونية أو متعاونة مع الاحتلال، إذا استمرت الضغوط الشعبية والقانونية.
كما قد يفتح الباب أمام برلمانيين بريطانيين للمطالبة بمراجعة صفقات السلاح مع الاحتلال، خاصة بعد التغطية الإعلامية المكثفة لمشاهد المجاعة والدمار في غزة.
 

صدى دولي ورسائل رمزية
على الصعيد الدولي، مثّل القرار ضربة موجعة للصناعات العسكرية الصهيونية، التي تعتمد على شراكاتها الخارجية لتوسيع نفوذها والحصول على تمويلات ضخمة.
كما جاء الإغلاق في وقت يحاول فيه الاحتلال تحسين صورته أمام الرأي العام الغربي، بعد اتهامه بانتهاك أوامر محكمة العدل الدولية.

بالنسبة للحركات الحقوقية العالمية، فإن نجاح الضغط الشعبي في إغلاق مقر Elbit Systems يرسّخ قناعة بأن التضامن المباشر يمكن أن يُحدث تغييرًا فعليًا، بعيدًا عن البيانات الرسمية.
واعتبر ناشطون أن ما جرى "رسالة قوية" إلى باقي الشركات المتورطة في دعم الاحتلال بأن كلفة التعامل مع الكيان الصهيوني لم تعد محصورة بالجدوى الاقتصادية، بل باتت تشمل سمعة الشركة وشرعيتها أمام القانون والرأي العام.

وفي النهاية، فإغلاق مقر "إلبيت سيستمز" في بريطانيا لا يمكن النظر إليه كحدث عابر، بل هو محطة فارقة في مسار المقاطعة الشعبية والدولية للاحتلال الصهيوني.
فالشركة التي لطالما مثلت رمزًا لتفوق الصناعات العسكرية الصهيونية وجدت نفسها مضطرة للتراجع أمام زخم الاحتجاجات وضغوط الشارع والقضاء.

القرار، وإن كان يترك ثغرة اقتصادية وأمنية محدودة، إلا أن رمزيته تتجاوز ذلك بكثير، إذ يعكس تحوّلًا ملموسًا في المزاج العام الأوروبي، الذي بات أكثر جرأة في مساءلة الاحتلال عن سياساته، وأكثر استعدادًا لمحاسبة الشركات المتورطة في دعم آلة الحرب.

وإذا كان سقوط مقر "إلبيت" في بريطانيا قد شكّل صدمة، فإن المستقبل قد يحمل المزيد من المفاجآت للشركات المرتبطة بالاحتلال في مختلف أنحاء أوروبا.