أثارت تصريحات قائد الانقلاب العسكري الأخيرة بشأن "التنسيق بين الحكومة والبنك المركزي لضمان سعر صرف مرن وموحّد" جدلاً واسعًا في الأوساط الاقتصادية والسياسية، في ظل أزمة متفاقمة في سوق العملات وتضارب سياسات الدولة النقدية، وبينما يرى مراقبون أن هذه الخطوة قد تسبق تعويمًا جديدًا للجنيه، يذهب آخرون إلى أنّها محاولة لتهدئة صندوق النقد الدولي الغاضب من عسكرة الاقتصاد المصري.

 

تصريحات مثيرة للجدل: ماذا يعني "سعر صرف مرن"؟

التوجيه الأخير لقائد الانقلاب العسكري جاء بصيغة تقنية لكنها محمّلة بالرسائل: «الحفاظ على مرونة سعر الصرف» يعني عمليًا الاستعداد لمزيد من التحرير، بينما الحديث عن «التوحيد» يوحي بالرغبة في إنهاء الفجوة بين السوق الرسمية والموازية.
يقول الخبير الاقتصادي هاني جنينة في تصريح سابق: "السوق يترقب قرارًا كبيرًا خلال أسابيع، والتعويم بات أمرًا شبه محسوم إذا أرادت الحكومة استكمال برنامجها مع صندوق النقد".

 

الأرقام تكشف المأزق.. احتياطي قوي أم هشاشة خفية؟

أحدث بيانات البنك المركزي المصري تشير إلى وصول الاحتياطي النقدي إلى 48.1 مليار دولار بنهاية أبريل 2025، في حين تؤكد تقارير غير رسمية بلوغه 49 مليارًا في منتصف العام.

ورغم أن الرقم يبدو مرتفعًا مقارنة بسنوات ماضية، إلا أن جزءًا كبيرًا منه عبارة عن ودائع وقروض قصيرة الأجل، وليست أموالًا حرة يمكن استخدامها.

أما السوق الموازية فتعكس أزمة ثقة حادة؛ إذ تراوحت أسعار الدولار بين 48 و49 جنيهًا خلال الأسابيع الماضية، في حين ظل السعر الرسمي عند حدود 30.95 جنيهًا.
يقول المحلل المالي رامي يوسف: الفجوة بين السوقين تجاوزت 50% في بعض الفترات، ما يعني أن أي حديث عن استقرار سعر الصرف لا يستند لواقع حقيقي.

 

لماذا قد يلجأ النظام إلى التعويم الآن؟

برنامج مصر مع صندوق النقد الدولي يضغط منذ 2022 لتنفيذ إصلاحات حقيقية، تشمل:

  • تحرير سعر الصرف بالكامل.
  • إطلاق برنامج خصخصة واسع النطاق.
  • تقليص هيمنة المؤسسة العسكرية على الاقتصاد.

في تقرير الصندوق الصادر في مارس 2025، ورد نص صريح: نوصي السلطات المصرية بالسماح بمرونة كاملة لسعر الصرف، مع وضع ضوابط للحد من التدخل المباشر.

ويرى خبراء أن التعويم قد يكون شرطًا للحصول على الشرائح المتبقية من القرض البالغ 8 مليارات دولار، إضافة إلى اجتذاب استثمارات خليجية متأخرة.

 

عسكرة الاقتصاد في مرمى النقد الدولي

لم تقتصر انتقادات صندوق النقد على السياسة النقدية، بل امتدت إلى عسكرة الاقتصاد، فقد أكد التقرير ذاته: من الضروري تقليص دور الكيانات التابعة للمؤسسة العسكرية في الاقتصاد لضمان تكافؤ الفرص.

هذه الرسائل تأتي في وقت يسيطر فيه الجيش على قطاعات حيوية مثل الإسمنت والحديد والطرق والبنية التحتية، ما يثير مخاوف المستثمرين الأجانب.

الخبير الاقتصادي عمرو عادلي علّق على ذلك قائلًا: أي إصلاح اقتصادي حقيقي لا يمكن أن يحدث مع استمرار عسكرة الاقتصاد، لأن القطاع الخاص لن يستثمر في بيئة تنافسية غير عادلة.

 

من الرابح ومن الخاسر؟

إذا حدث التعويم، فالمتضرر الأكبر سيكون المواطن العادي، التضخم الرسمي سجّل 33.5 % في يونيو 2025، بينما تتوقع مؤسسات دولية وصوله إلى 40 % في حال تحرّر الجنيه.

الطبقة المتوسطة تواجه انهيارًا في القدرة الشرائية، في حين تحمي النخبة المقربة من السلطة نفسها عبر تحويل أصولها إلى الدولار أو الاستثمار في العقارات والذهب.

 

قرار اقتصادي أم مناورة سياسية؟

توجيهات قائد الانقلاب العسكري ليست مجرد سياسة نقدية، بل تحمل أبعادًا سياسية عميقة، إذا كان الهدف مغازلة صندوق النقد لتمرير الشريحة المقبلة، فهذا يعني أن التعويم قادم لا محالة، أما إذا كان مجرد مناورة لتهدئة الأسواق، فالأزمة ستستمر وربما تتفاقم.
في كل الأحوال، تبقى الأسئلة الكبرى بلا إجابة: من يدفع الثمن؟ ومن يحصد الأرباح؟

الجدول الرئيسي للأرقام الاقتصادية (2025):

المؤشر

القيمة

المصدر

الاحتياطي النقدي الأجنبي

48.1 مليار دولار

البنك المركزي المصري

سعر الصرف الرسمي

30.95 جنيهًا/دولار

البنك المركزي

سعر الصرف في السوق الموازية

48–49 جنيهًا/دولار

تقارير السوق

التضخم السنوي

33.5%

الجهاز المركزي للإحصاء