أعلنت وزارة التربية والتعليمفي حكومة السيسي في مصر عن قرار رسمي يقضي بمنع الطلاب والمعلمين من مناقشة أي قضايا خلافية ذات طابع سياسي أو ديني داخل الفصول المدرسية أو الأنشطة التعليمية. وجاء القرار –بحسب الوزارة– في إطار "الحفاظ على بيئة تعليمية آمنة ومستقرة" بعيدًا عن الاستقطاب والجدل.

لكن هذا القرار أثار جدلاً واسعًا في الأوساط الحقوقية والتربوية، إذ اعتبره كثيرون استمرارًا لسياسات القمع الممنهج التي تمارسها الدولة، ليس فقط في المجال السياسي العام، وإنما من داخل المدارس أيضًا. فالمدرسة التي من المفترض أن تكون ساحة لتشكيل الوعي وصقل الشخصية، تتحول تدريجيًا إلى فضاء مغلق، يُمنع فيه أي نقاش يلامس الواقع أو يعكس اهتمامات الطلاب.

ويرى خبراء التربية أن إغلاق المجال أمام القضايا السياسية والدينية داخل المؤسسات التعليمية يعني قطع الطريق على تكوين شخصية ناقدة ومفكرة قادرة على الحوار، وتحويل الطلاب إلى مجرد متلقين صامتين، بعيدًا عن قيم التنوع والاختلاف التي تُبنى عليها المجتمعات الحديثة. كما يشير مراقبون إلى أن هذا التوجه يتسق مع السياسات الأمنية التي تسيطر على المجال العام في مصر، حيث يُحاصر الإعلام، وتُضيَّق مساحة الأحزاب، وتُمنع التظاهرات، ويُلاحق النشطاء.

 

حكومة تخشى وعي الأجيال

قرار وزارة التعليم بحظر النقاشات السياسية والدينية يكشف خوف النظام من تنامي وعي الأجيال الجديدة. فبدلًا من أن تتيح الحكومة للطلاب فرصة ممارسة التفكير النقدي، تُصر على فرض الصمت والرقابة، وكأنها تخشى من أي صوت مختلف أو رأي ناقد قد يهدد استقرار قبضتها الأمنية.

 

منابر التعليم تتحول إلى أداة للسيطرة

في الوقت الذي تحتاج فيه المدارس إلى تحديث مناهجها، وتطوير طرق التدريس، ودعم المعلمين، تصر الدولة على استخدام التعليم كأداة للسيطرة السياسية والاجتماعية. فبدل أن تكون المدرسة مكانًا للحوار الحر، أصبحت وسيلة لغرس قيم الخضوع والانقياد، بما يضمن استمرار السلطة بعيدًا عن أي مساءلة أو نقد.

 

غياب الرؤية الإصلاحية

تكشف هذه السياسات عن غياب أي رؤية إصلاحية حقيقية لدى الحكومة في مجال التعليم أو في بناء الإنسان المصري. فالحكومة تنفق مليارات على مشروعات شكلية، بينما تُقصي النقاش الحر، وتُحاصر العقول، وتُفرغ العملية التعليمية من مضمونها. إن ما يحدث هو هدم ممنهج للشخصية المصرية منذ مقاعد الدراسة، وهو ما ينذر بمستقبل أكثر قتامة.

وأخيرا فقرار وزارة التعليم بحظر النقاشات السياسية والدينية في المدارس ليس سوى انعكاس مباشر لطبيعة الدولة البوليسية في مصر، التي لا تكتفي بقمع المعارضة في الشارع أو محاصرة الإعلام، بل تمتد بسطوتها إلى قاعات الدراسة حيث يُفترض أن تُصنع العقول الحرة. فالنظام يبدأ في كسر شخصية المواطن منذ نعومة أظافره، عبر تحويل المدارس إلى ثكنات صامتة، لا يُسمح فيها إلا بترديد ما تقوله السلطة. وهكذا يتربى الأطفال على الخوف من التعبير، ويُحاصر وعيهم مبكرًا، لتخريج أجيال مطيعة ومنقادة، بدلاً من أجيال ناقدة ومبدعة. وبذلك تواصل الدولة إهدار أهم ثروة تمتلكها الأمة: عقول أبنائها.