يُعتبر تركي آل الشيخ، رئيس الهيئة العامة للترفيه في السعودية، واحداً من أبرز الشخصيات المؤثرة في الساحة الثقافية والإعلامية في الخليج والمشرق العربي، يتمتع آل الشيخ بصبغة قوية تجمع بين السلطة السياسية والتأثير الإعلامي، ما جعله أداة استراتيجية في الصراع السياسي بين السعودية ومصر، خاصة في زمن توتر العلاقات بين قائد الانقلاب العسكري المصري عبد الفتاح السيسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث تلعب تصريحات آل الشيخ وسلوكياته دوراً بارزاً في توزيع النفوذ، وإعادة تشكيل الصورة السياسية والثقافية للسعودية ومصر داخل وخارج حدودهما.
منشور الفول.. انتفاضة ثقافية واستثارة جدل واسع
في 17 أغسطس 2025، نشر تركي آل الشيخ منشوراً على حسابه الرسمي وصف فيه الفول المصري بأنه “مصنع طبيعي لهرمون السعادة”، مستنداً إلى دراسة من جامعة كامبريدج تشير إلى احتواء الفول على مادة L-DOPA التي تحسن المزاج وتعزز الطاقة الذهنية.
على الرغم من أن هذه المعلومة علمية، إلا أن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في مصر اعتبروا منشور آل الشيخ تهكماً ساخرًا على الرمزية الوطنية للفول كطبق شعبي مصري، خاصة أن الفول يحمل أهمية ثقافية واجتماعية عميقة في مصر منذ عقود.
إلا أن هذا المنشور الذي كان يفترض أن يكون إيجابياً أثار موجة من التهكم عليه من جانب المصريين، باعتبار أن الفول من الأكلات الشعبية المصرية ذات الطابع الوطني، وأنه يأتي في سياق تلميح ساخر من آل الشيخ قادر على إثارة الجدل بين الجماهير.
تزامن ذلك مع ردود فعل الذباب الإلكتروني السعودي الذين اعتمدوا على مدافعته والدفاع عن سياسته في الهجوم على مصر أو في التقليل من شأنها، ما عمّق من حالة الاستقطاب على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تصاعدت حرب الذباب الإلكتروني في مصر والسعودية حتى وصلت إلى توجيهات عليا في مصر بتخفيف التصعيد حفاظًا على العلاقات بين البلدين.
توالت ردود أفعال ساخرة ومُحملة بالغضب، حيث انتقد كثيرون ما اعتبروه استغلالاً “للقضايا البسيطة لإثارة البلبلة، وإضعاف الروح الوطنية المصرية، وتقديم صورة السخرية من المصريين في الإعلام الخليجي”.
في حين شن الذباب الإلكتروني السعودي هجمات منظمة للدفاع عن آل الشيخ ومحاولة تهدئة الموقف بصور الإعلام الرسمي، ما أدى إلى تصعيد سياسي وإعلامي كبير بين البلدين.
وفي اليومين التاليين، تحوّل الموضوع إلى سجال بين الحكومتين السعودية والمصرية عبر منصات التواصل، حيث علق حساب "غرفة الأخبار" على موقع X : "الفول موضوع سجال جديد بين الحكومتين السعودية والمصرية بعد منشور للمستشار …"
ورد المصريون أيضاً على هذا المنشور بروح الدعابة، من بينها تغريدة لـ سامي كمال الدين كتب فيها: "مقارنة بين الفول المصري والضب السعودي.. أيهما أفيد صحيًا ويناسب سعادة المستشار تركي آل الشيخ.. المهم البهارات والمكونات يا مستشار."
سخرية متكررة
لم تكن حادثة الفول الأولى من نوعها؛ إذ تعود سخرية تركي آل الشيخ من المصريين إلى سنوات، يحتدم الخلاف بين مصر والسعودية في خلفيات سياسية معقدة، منها الخلاف حول جزيرتي تيران وصنافير، حيث رفضت مصر التنازل عن الجزيرتين رغم تدخل سعودي وضغط علني في عام 2016، مما أثار جدلاً سياسياً وشعبياً بين البلدين.
بالإضافة إلى ذلك، يوجد خلاف فني واستثماري؛ فتركي آل الشيخ يتهم المصريين بعدم تقديم الدعم الكافي للفنانين السعوديين، وقد فرض قيوداً على مشاركة العديد من النجوم المصريين في موسم الرياض للفنون، محاولة بذلك الحد من التأثير المصري في سوق الترفيه الخليجي.
هذه التصريحات والمواقف التي تشمل تحقير ضمني للمصريين، كُتبت وأُطلقت عدة مرات عبر منصاته الإعلامية، وفي مناسبات رسمية وحتى غير رسمية، ما يعكس رغبة في فرض الهيمنة الإعلامية والثقافية السعودية على مصر.
حرب الذباب الإلكتروني عابرة للحدود
منذ عام 2020، تزايدت ظاهرة الذباب الإلكتروني في كل من مصر والسعودية، حيث تُستغل القوى السياسية والإعلامية خدمةً لأجندات الحكم، وقد شهدنا خلال السنوات الماضية توجيهات من حكومات البلدين لتخفيف حدة الحرب الإلكترونية، خصوصاً بعد اشتعال الصراعات عام 2022، حيث تم توجيه دعوات رسمية بالتهدئة والحوار لتجنب التأثير السيء على العلاقات بين البلدين.
لكن الذباب الإلكتروني لا يزال يلعب دوراً رئيسياً في تصوير الطرف الآخر بصورة سلبية، مع تكرار استخدام شتائم وحملات تشويه متبادلة بين الطرفين، وقد كان تركي آل الشيخ حاضراً بقوة في هذا الصراع، سواء من خلال تصريحاته أو الحملة المنظمة التي أطلقها أنصاره للدفاع عنه بإلحاح ضد المصريين، مما زاد حدة الاستقطاب وأجج المشاعر السلبية على الشبكات الاجتماعية.
السيسي وابن سلمان: خلف الكواليس السياسية
علاقات عبد الفتاح السيسي بمحمد بن سلمان شهدت تذبذبات متكررة، بن سلمان، ومنذ توليه ولاية العهد في 2017، حاول تغيير مسار السياسات السعودية التي كانت تقليدياً داعمة للسيسي ليفتح نزاعات غير معلنة حول النفوذ في مصر لخدمة أجندات إقليمية أوسع تشمل إعادة تشكيل تحالفات الشرق الأوسط.
سجّلت عدة أحداث توترات مثل إعادة طرح قضية جزيرتي تيران وصنافير، إضافة إلى استثمار تركي آل الشيخ في مصر وكثرة تدخلاته الإعلامية والسياسية، ما جعل ملف التقارب والتوتر السعودي-المصري ملفاً حساساً للغاية، ينعكس بشكل مباشر على ردود أفعال السياسيين والشعوب في البلدين، هذه التوترات صنفت على أنها "صراعات محتدمة بين أنظمة تسعى لتثبيت نفوذها، عبر الإعلام والتصريحات المثيرة للجدل".
الخصوصية الثقافية والهوية الوطنية
المصريون، الذين يرون في الفول جزءاً من هوية غذائية ثقافية بنكهة وطنية تفوق الطبخ، استقبلوا سخرية تركي آل الشيخ بردود أفعال حساسة، تراوحت بين الغضب والاحتجاج عبر منصات السوشيال ميديا.
عبّر كثيرون من الفنانين والناشطين عن رفضهم لهذه الحملات، معتبرين إياها استهدافاً مكشوفاً للكرامة الوطنية المصرية، واستخدام سخرية تبدو بسيطة لكنها تخفي رغبة بالتحقير والتقليل.
ظهرت حملات رقمية كثيرة تؤكد على أهمية حماية التراث الشعبي من محاولات المسخ أو السخرية، وأظهرت تلك الحملات قدرة المواطن المصري على الانتفاض الإعلامي ضد أي محاولة مسيئة، ما يشير إلى وعي واسع بأبعاد هذه الحرب الناعمة بين الطرفين.
المستقبل بين الخصومة والصراع
تجسد المواقف والسخرية المتبادلة والمواجهات بين تركي آل الشيخ والمصريين صورة مصغرة من الصراع الإقليمي بين أنظمة السيسي وابن سلمان، حيث يتداخل السياسي بالثقافي والإعلامي.
تصاعد حرب الذباب الإلكتروني والأزمات الإعلامية يعكس أزمة أعمق في طبيعة العلاقات الثنائية، التي لم تستقر على قواعد تفاهم واضحة حتى الآن.