منذ مطلع 2025 تكثّفت حوادث غرق المهاجرين في البحر المتوسط على طول السواحل الليبية، وأسفرت عن مئات الوفيات والاختفاءات. تُظهر بيانات المنظمات الدولية أن العام 2025 يعد واحدًا من الأعوام الأكثر دموية على مسار البحر المتوسط المركزي، بينما تشير تقارير محلية ودولية إلى أن مجموعة عوامل داخلية وإقليمية — بينها سياسات هجرة مشدّدة وظروف اقتصادية متدهورة — تظل الدافع الأساسي وراء مغادرة مئات المصريين وغيرهم إلى رحلات خطرة تنتهِي أحيانًا بمآسٍ بحرية.

وأمس الأحد، كشفت مصادر أمنية بحكومة الانقلاب، عن مصرع عدد من المواطنين في حادث غرق مركب كان يقل 79 مهاجرًا غير نظامي من جنسيات متعددة، قبالة سواحل مدينة طبرق شرقي ليبيا، في 29 يونيو الماضي، في واحدة من أكثر المآسي البحرية التي شهدتها المنطقة مؤخرًا، وفقًا لـ"العربي الجديد".

ووفق المصادر، هرعت فرق حرس وأمن السواحل الليبية إلى موقع الحادث فور تلقيها بلاغًا بانقلاب القارب، وتمكنت من انتشال 23 جثة، بعضها لمواطنين مصريين، فيما جرى إنقاذ 10 أشخاص، بينهم 8 مصريين واثنان سودانيان، نُقلوا مباشرة إلى مراكز إيواء مؤقتة لتلقي الإسعافات الأولية والرعاية الطبية، تحت إشراف أمني وصحي مشدد.

ولا تزال عمليات البحث جارية عن عشرات المفقودين الذين يُخشى أن يكونوا قد غرقوا في أعماق البحر، في ظل ظروف جوية سيئة وأمواج عاتية ساهمت في انقلاب المركب، الذي تبين أنه كان يفتقر تمامًا لوسائل السلامة وستر النجاة الكافية.

وأفادت المصادر بأن القارب انطلق من إحدى النقاط الساحلية في ليبيا، في رحلة محفوفة بالمخاطر نحو السواحل الأوروبية، انتهت بمأساة في عرض البحر. وكان معظم الركاب من الشباب الساعين للهجرة غير النظامية هربًا من الأوضاع الاقتصادية القاسية في بلدانهم.

وأشارت إلى أن عمليات البحث والإنقاذ تُنفذ بالتنسيق بين حرس السواحل الليبي ومتطوعين من الصيادين المحليين، الذين يواصلون تمشيط المياه الإقليمية أملًا في العثور على ناجين أو جثامين المفقودين، فيما تواصل السلطات التنسيق مع سفارات الدول المعنية لتحديد هويات الضحايا وترتيب إجراءات نقل الجثامين.

وبحسب المصادر، أعاد هذا الحادث المأساوي تسليط الضوء على المخاطر البالغة التي ترافق رحلات الهجرة عبر البحر المتوسط، والذي تصفه تقارير منظمات دولية معنية بالهجرة بأنه من أخطر وأشد طرق الهجرة فتكًا بالمهاجرين، وسط دعوات متجددة لتعزيز التعاون الإقليمي والدولي للحد من هذه الكوارث الإنسانية.

 

حصيلة ضحايا الهجرة من المتوسط منذ 2024 وحتى الآن

أ. عام 2024

تعتبر حادثة أكتوبر 2024، حين غرق قارب يقل 13 مصريًا قرب طبرق، وأسفر عنها مقتل 12 منهم** (ناجي واحد)، وهو حادث موثق يسلط الضوء على دور مافيا التهريب وضغوط الهجرة.

التقرير السنوي للأمم المتحدة يشير إلى أن أكثر من 2,200 شخص لقوا حتفهم أو اختفوا أثناء عبور البحر المتوسط عام 2024، ومعظمهم عبر طريق ليبيا المتوسطية.

 

ب. في النصف الأول من 2025 وحتى نهاية يوليو

في أبريل 2025، غرق قارب قرب سرت ما أدى إلى وفاة 5 من المصريين ضمن حوالي 11 قتيل.

في 29 يوليو 2025، وقع حادث بالغ قرب طبرق أدى إلى وفاة 18 مهاجرًا مصريًا وضياع 50 آخرين ولم يُحدد عدد الناجين بعد. أحد دبلوماسيي القنصلية المصرية في بنغازي أشار إلى أن 10 جثث تم تحديدها وإرسالها إلى مصر بينما الناجون تحت الاحتجاز.

المنظمة الدولية للهجرة (IOM) أبلغت بأنه تم تسجيل ما لا يقل عن 434 وفاة و611 مفقودًا* قبالة السواحل الليبية خلال الثمانية أشهر الماضية حتى يوليو 2025

 

عوامل دافعة داخلية وإقليمية

محلّلون وخبراء هجرة يشيرون إلى أن تزايد عمليات الطرد والقيود الإدارية على الأجانب داخل مصر، وتدهور أوضاع طالبي اللجوء (خصوصًا السودانيين) وارتفاع تكاليف المعيشة، دفع أعدادًا متزايدة نحو شبكات التهريب عبر ليبيا والبحر المتوسط. تقارير Reuters وأخرى رسمية تربط بين سياسات ضبط الحدود والضغوط الاقتصادية وارتفاع معدلات التحرك نحو ليبيا قبل الإبحار.

 

منظمات حقوقية تنتقد سياسات الدولة

منظمات حقوقية دولية (مثل هيئات حقوق الإنسان والمنظمات المتخصصة بالهجرة) ترى أن سياسات دول المنطقة، وتآكل آليات البحث والإنقاذ، بالإضافة إلى تحوّل إدارة ملف الهجرة إلى أدواتٍ أمنية، فاقمت مخاطر الرحلات البحرية. هذه الجهات تطالب بتعاون إقليمي ودولي فاعل لحماية حياة المهاجرين.

 

فشل حكومة السيسي في التعامل الأمني والإنساني

عدد من المراقبين المصريين والإقليميين يحملون حكومة السيسي مسؤولية الجزء الأكبر من «دوافع الخروج» بسبب سياسات داخلية: تشديدات على الإقامات، حملات أمنية وتكاليف معيشية متصاعدة، ومحدودية مسارات الهجرة القانونية أو دعم اللاجئين، مما يترك المواطنين والوافدين خيارًا بين بقاء بائس أو المخاطرة برحلات التهريب عبر ليبيا. تقارير إعلامية محلية نقلت شكاوى أسر متأثرة من بطء رد الأجهزة والقنصليات في تحديد الهوية وترتيب نقل الجثامين.

الحكومة سلّمت الإدارة الأمنية للمناطق الحدودية إلى تعاون جزئي مع ليبيا، ما حوّل مصر إلى دولة ترحيل وتعقب للعائدين عبر ليبيا بدل توفير بدائل مستقرة وآمنة.

الميديا المصرية الرسمية غالبًا ما تصوّر الهجرة كجريمة أو سوء تصرف فردي، متجاهلة أبعاد الفقر والبحث عن فرص، مما يسهم في تحييد المسؤولية الجماعية والدولة.

وفي حين تزداد أعداد المفقودين، لا توجد خطة وطنية واضحة لإعادة توطين المصريين العائدين أو دعم أسرهم قانونيًا أو ماليًا. آليات الحماية الاجتماعية لا تغطي المنتقلين المستقبلیين ولا توفر بدائل مهنية.