في ظل استمرار نظام قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي في سياساته الأمنية القمعية، تخرج قضية المضربين عن الطعام من قيادات الإخوان المسلمين في سجن بدر إلى واجهة الرأي العام، مع تزايد شهادات عن تهديدهم باعتقال أسرهم، وسط انتهاكات خطيرة يوثقها محامون وسياسيون وحقوقيون بالأسماء، الأرقام والتواريخ.

 

سجن بدر: الخلفية وموجة الإضرابات

افتُتح مجمع سجون بدر نهاية عام 2021، كأحدث صرح أمني يضم آلاف المعتقلين، خاصة السياسيين ومنهم قيادات الإخوان.

في عام 2022، جرى نقل مئات السجناء السياسيين من سجن طرة سيء السمعة إلى بدر 1 و3، تزامنًا مع وعود رسمية "ببيئة إصلاحية"، إلا أن منظمات حقوقية دولية وثّقت منذ ذلك الحين انتهاكات جسيمة أبرزها؛ حرمان من الرعاية الطبية، إضاءة ليلية قسرية، حرمان من الزيارات والكتب، وقيود على الطعام والملابس.

وصفه حقوقيون بسجن "العقرب الجديد" في إشارة لسوء السمعة المرتبط بسجن طرة.

وصفته منظمة العفو الدولية بـ "سجون بدر تمثل أقسى بيئة احتجاز سياسي في مصر خلال العقد الأخير، حيث الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتجويع باتت هي القاعدة وليس الاستثناء".

في يناير 2023، بدأت موجة إضرابات عن الطعام واسعة، إذ أعلنت جماعة الإخوان أن عشرات القيادات والمعتقلين بدأوا إضرابًا اعتراضًا على الظروف اللاإنسانية منها؛ العزل الانفرادي، منع الزيارات باستمرار لبعضهم وصلت منذ 2015، والتنكيل بحق الأسرى، وتقارير عن انتحار معتقل يُدعى حسام أبو شروق عقب منعه من التواصل مع أسرته.

 

تهديدات الأمن الوطني وابتزاز الأسر

بحسب مراسلات مسرّبة من داخل سجن بدر، أفاد قادة الإخوان بأن قوات الأمن الوطني تواصل تهديدهم أثناء الإضرابات باعتقال أسرهم وملاحقة ذويهم، محاولين الضغط عليهم لإنهاء الإضراب وإيقاف أي تصعيد.

وتؤكد شهادات معتقلين ومحامين أن التهديدات شملت زوجات وأبناء وأمهات، لا سيما بعدما صعّد المعتقلون بالإضراب الجماعي واحتجاجات تغطي عشرات السجناء.

وردّت بعض الرسائل المسرّبة، منها خطاب للقيادي محمد البلتاجي في يوليو 2025، قوله: "ثماني سنوات بلا شمس ولا هواء... محرومون من الزيارات والاتصال بأهلينا، أمن الدولة يهددنا بإيذاء أقرب الناس إلينا إن لم نكسر الإضراب."

في الفترة من 19 إلى 24 يوليو 2025، وثقت لجنة العدالة تقاريرًا تفصيلية عن تصعيد من جانب جهاز الأمن الوطني تجاه المضربين:

في 19 يوليو، هدد ثلاثة مسؤولين كبار (منهم نائب رئيس الأمن الوطني) أمين الصيرفي ومحمد البلتاجي باعتقال أسرهم أو إصدار أحكام بالإعدام إذا لم ينهي الإضراب خلال ٤٨ ساعة.

أحدهم قال: أنتم مجرد ملفات تُنسى بعد خمسة عشر يومًا، ليس لكم حقوق هنا.

التهديدات وُجهت لاحقًا إلى خيرت الشاطر في 21 يوليو، ولعمرو العقيد في 22 يوليو، ولجهاد الحداد في 24 يوليو، حيث وصف أحدهم: أخطئ معنا مرة، وسيتكلم الرصاص.

هذه التهديدات تعكس منطقًا أمنيًا قاسياً، يضمّن أجهزة الدولة في فرض الرعب لإجبار المعتقلين على إنهاء إضرابهم.

 

أبرز المعتقلين المضربين عن الطعام

يتصدر المشهد قيادات بارزة، منهم:

  • محمد بديع: المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، 79 عامًا، اعتقل في أغسطس 2013 بعد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، واحتجز أغلب السنوات في عزل انفرادي مشدد قبل نقله إلى بدر 3 في 2024، وشارك في موجة الإضراب الأخيرة.
  • محمد البلتاجي: طبيب ونائب سابق، من رموز ثورة 25 يناير، مُعتقل منذ أغسطس 2013، يخضع للعزل الانفرادي التام في بدر 3، بدأ إضرابه المفتوح في 1 يوليو 2025 رفضًا للظروف المزرية: "أعيش الموت البطيء منذ 12 عامًا، والموت أرحم مما يجري هنا".

قال محمد البلتاجي في رسالة بتاريخ 23 يوليو 2025: "نحن نتعرض لانتقام منهجي لدورنا في ثورة 2011 ومعارضتنا لانقلاب 2013".

  • خيرت الشاطر: نائب المرشد العام ورجل أعمال بارز، معتقل منذ 2013 وسُجل اسمه في قوائم الإضراب الجماعي للإخوان عدة مرات.
  • آمين الصيرفي، وعمرو العقيد، وجهاد الحداد، جميعهم من قيادات جماعة الإخوان، وقد خاضوا الإضراب معاً.
  • عصام الحداد، وأسماء أخرى منهم أعضاء في مكتب الإرشاد: ورد ذكر بعضهم في بيانات الإضراب الجماعي وجماعة الإخوان منذ 2014، وتم توثيق مشاركتهم في تحركات مشابهة خلال السنوات السابقة.

هؤلاء يندرجون ضمن ما يقرب من 58 معتقلًا في سجن بدر 3 - القطاع 2، الذين أعلنوا إضرابًا جماعيًا احتجاجًا على سوء المعاملة والعزلة التامة والانقطاع عن العالم الخارجي.

وفي بيان صادر عن جماعة الإخوان المسلمين هذا الشهر، جرى التأكيد على دعم الخطوات التصعيدية لهؤلاء المعتقلين، وحمّل النظام المصري مسؤولية أي تدهور جديد في صحة الأسرى، أو التعرّض للأسر بالتهديد أو الاعتقال.

 

اكتئاب الجماعي

تم توثيق حالات انتحار جماعي أو محاولة انتحار نتيجة الضغط النفسي الشديد، ففي صباح حالة مصطفى الغنيمي تناول خمسة شرائط من دواء ما، صرّح: لن نخضع لكم يا ظالمين!” وتم نقله إلى الرعاية المركّزة، كما تلاه هاني شعبان بنفس الحالة.

هذه الحوادث حدثت في أقل من أسبوعين من بدء الإضراب، مما يبيّن ارتفاع خطر تدهور الوضع الصحي والنفسي داخل السجن.

 

تواريخ لافتة

في مايو 2014، أعلنت لجنة متابعة مستقلة أن أكثر من 20,000 معتقل سياسي من مختلف التيارات أضربوا عن الطعام في 113 مركز احتجاز، والتحق بالإضراب التضامني نحو 32,000 من أقاربهم خارج السجون، في سابقة توصف بـ"أكبر احتجاج جماعي بالعالم آنذاك".

منذ منتصف 2022 وحتى مطلع 2025، وثّقت منظمات مثل العفو الدولية ومبادرة الديمقراطية للشرق الأوسط موجات إضراب جماعي، ارتبط معظمها بتفاقم الانتهاكات والحرمان من الدواء والزيارة وسوء الطعام الذي أدى لموجات انتحار.

في يوليو 2025 أكدت رسائل مسربة استمرار إضراب البلتاجي ورفاقه لليوم العشرين، دون استجابة رسمية أو تحسينات.

جماعة الإخوان المسلمين في بيان حديث: "نحمل النظام كامل المسؤولية عن حياة المضربين، ونطالب بتحقيق دولي محايد في الظروف اللاإنسانية بسجون بدر"، كما كررت قيادات معارضة للانقلاب تحذيراتهم من "استخدام معتقلي الإخوان كورقة ضغط حتى بعد أكثر من 12 سنة من عزل مرسي"، داعين لتدخل أممي سريع.

 

تعنت السلطات

رغم الإنكار الرسمي لأي إضراب جماعي أو انتهاك للسجناء السياسيين، تؤكد الشهادات الحقوقية ورسائل المعتقلين استمرار تدوير قضايا قيادات الإخوان لتجديد حبسهم بشكل دائم، وحرمانهم من أبسط الحقوق مثل الزيارة والعلاج والنوم المريح، وإخضاعهم لابتزاز أمني عبر تهديد الأسر والمقايضة على حياتهم مقابل إنهاء الإضراب.