بعد أكثر من 200 يوم من الاختفاء القسري، توالت دعوات 28 منظمة حقوقية عربية ودولية لكشف مصير الشاعر عبد الرحمن يوسف القرضاوي، الذي تم ترحيله قسرًا من لبنان إلى الإمارات في 8 يناير 2025، عقب اعتقاله في لبنان أواخر ديسمبر 2024.

الاستغاثات الحقوقية جاءت متكررة ونمطية، لكنها تحمل صدقًا بالمخاوف: لا تهم رسمية، ولا محاكمة، ولا معلومات عن مكان احتجازه أو حالته.

وفي بيان مشترك بتاريخ 5 أغسطس 2025، طالبت 28 منظمة حقوقية عربية ودولية بالإفراج الفوري عن الشاعر المصري-التركي عبد الرحمن يوسف القرضاوي، وكشف مكان احتجازه وظروفه، معتبرة أن اختفاءه القسري يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.

 

أهم المطالب والانتقادات

عبّرت المنظمات عن "قلق بالغ" لإخفائه القسري منذ أكثر من 200 يوم، وتجاهل كل الالتزامات القانونية وحقه في التواصل أو المحاكمة العادلة.
وصفوه بـ"رمز الحكم العادل"، مشددين على أن الترحيل إلى دولة غير مواطن بها (الإمارات) دون محاكمة قانونية يمثل سابقة خطره في قمع الفكر.
نددوا باستخدم الاتحاد العربي لمجلس وزراء الداخلية (AIMC) كأداة لقمع معارض في ما يُعرف بـ"الإخفاء القسري عبر التنسيق العربي الأمني".
طالبوا الإمارات بالإفراج الفوري عنه، وضمان سلامته النفسية والجسدية، والسماح له بالاتصال بمحاميه، وأسرته، والقنصلية التركية.
دعت منظمات مثل هيومن رايتس ووتش والمركز العربي للحقوق والقانون، إلى مساءلة الأطراف اللبنانية والإماراتية، ووصفوا ترحيله بأنه تجاوز وظلم قضائي.

 

من هو عبد الرحمن القرضاوي؟ صوت ضد الاستبداد

شاعر وكاتب يمتلك الجنسية المصرية والتركية، وهو ابن الشيخ الراحل يوسف القرضاوي، والذي استُهدف سياسيًا بسبب مواقفه الداعمة للربيع العربي.
معروف بانتقاد الأنظمة المصرية والسعودية والإماراتية، ويستخدم الشعر والفيديوهات النقاش السياسي والفكري بحرية تامة.
في ديسمبر 2024، وثّق القرضاوي مقطع فيديو من سوريا بعد سقوط نظام الأسد، ينتقد فيه الحكومات العربية، ما أعقبه اعتقاله في لبنان ومن ثم ترحيله السريع إلى الإمارات.

 

خطوات الاعتقال والترحيل

28 ديسمبر 2024: اعتقلته السلطات اللبنانية عند معبر المصنع، بناءً على طلب تسليم من مصر والإمارات.

7 يناير 2025: وافق مجلس الوزراء اللبناني على ترحيله للإمارات، رغم نداءات حقوقية وأمم متحدة بعدم التسليم قسرًا.

8 يناير 2025: جرى ترحيله بواسطة طائرة خاصة رغم وجود استئناف قانوني من محاميه.
منذ ذلك الحين، انقطع الاتصال نهائيًا بعائلته ومحاميه، ويُعتقد أنه في اختفاء قسري داخل السجون الإماراتية.

 

التحذير القانوني والحقوقي: أزمة عالمية

نداءات عاجلة:

مُنّا لحقوق الإنسان دمجت مع أكثر من 40 منظمة أخرى في بيان دعا الإمارات لكشف مكان احتجازه وتمكينه من التواصل القانوني.
هيومن رايتس ووتش أطلقت بيانًا تطالب فيه بريطانيا والاتحاد الأوروبي بالضغط للإفراج عنه، ووصفت الحالة بأنها "احتجاز تعسفي" وتعدى اتفاقية مناهضة التعذيب.
تقديم شكوى قانونية:

محاميه في لندن رفع دعوى إلى شرطة المتروبوليتان، يطالب فيها بالتحقيق بمزاعم "الاختطاف في العلن" و"التعذيب العقلي والجسدي".
هذه التحركات تؤكد أن المأزق ليس محليًا فقط بل أصبح مبادرة دولية لكشف مصير الشاعر قبل أن يُحرم نهائيًا من حقه في الحياة والعدل.

 

نمط الانتهاك: تعاون عربي في قمع الفكر

ما حدث مع القرضاوي ليس حادثًا منعزلًا:

تم استخدام تنسيق أمني عربي – مصر، لبنان، الإمارات، والأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب – لقمع معارضٍ شعري خارج بلده.
الإمارات أصدر مذكرة توقيف مطاطة بتهم "تهديد الأمن العام"، رغم أنه لا يقيم فيها ولم يزُرها إلا بشكل عابر.
لبنان نفذ الترحيل رغم وجود نداءات رسمية من حقوقيين وأمم متحدة بوقفه، وخالف التزامات بمنع الترهيب السياسي.
هذا السجل يعكس نهجًا إقليميًا للانتقام من الأصوات الحرة، حيث يُستهدف المثقف خارج الحدود في استراتيجية ممنهجة للقضاء على المعارضة.

 

لماذا يخافون من شاعر؟

القرضاوي ليس مجرّد شاعر، بل رمز فكري وثقافي يُحاكي الشباب والمناضلين، ويُترجم الحس السياسي إلى كلمات حرة.
منع صوته واعتقاله هو استهداف لرؤية تمتد إلى تجديد الفكر العربي والنقد المؤسسي والدعوة للديمقراطية.
أسلوب الرد لم يكن قانونيًا، بل اختطافًا سياسيًا يهدف إلى إرسال رسالة لكل من يجرؤ على القول "لا".
رؤية منظمات داخلية وخارجية

مركز سيدار للدراسات القانونية وصف الترحيل بأنه "صفقة قذرة" بين لبنان والإمارات مقابل مصالح اقتصادية وسياسية.
اعتقال شقيقته علا القرضاوي وزوجها يعكس نمطًا للانتقام من العائلة برمتها في مختلف الدول.

هذه الرؤية تكشف أن النية في قمع القرضاوي تمت مأسستها مسبقًا من خلال هندسة سياسية وأمنية، وليس مجرد سؤال قضائي.

 

ماذا بعد؟ خطوات إنقاذية مطلوبة

حكومة لبنان: الالتزام بقرارات الأمم المتحدة ورفض أي تسليم سياسي.
تركيا: باعتباره مواطنًا تركيًا، عليها التدخل ودبلوماسية الضغط لضمان سلامته.
الإمارات: الإفراج عنه فورًا والتوضيح عن وضعه ومكان احتجازه.
المجتمع الدولي: دعم التحقيقات في جرائم "الاختفاء القسري" عبر ولايات قضائية دولية.
الدول الغربية: النظر في فرض عقوبات على مسؤولين متورطين – سياسيًا أو أمنيًا.

 

انعكاس القمع المعاصر بمشهد اختفاء

قضية عبد الرحمن القرضاوي ليست مجرد اختفاء لشاعر معارض، بل مرآة لما أصاب المنطقة من تحالف قمع مشترك ضد حرية التعبير والكتابة السياسية.

فهي رسالة مفادها: أينما نعيش، لا صوت يُسمع عندما تُقمع الأقلام قبل الأجساد. والمطلوب الآن هو أن يتحرك المجتمع المدني دوليًا، لوقف هذه المأساة، قبل أن تؤسس لانتهاكات تُشرعنها أنظمة عربية تحت ستار "التعاون الأمني" والتطبيع الأعلى.