مصطفى عبد السلام

رئيس قسم الاقتصاد في موقع وصحيفة "العربي الجديد"

 

حسنًا، لنأخذ بالرواية الحكومية والأرقام الصادرة عن الجهات الرسمية في مصر بشأن حال الاقتصاد وأرقام الموازنة والأسعار والأسواق والتضخم، وهي الرواية التي تقول إن مؤشرات الاقتصاد تتحسن، وإن الوضع المالي أفضل من ذي قبل، وإن معدلات النمو في أحسن حالاتها، وإن مصر تُحقّق طفرة في النمو الاقتصادي قلما تجدها في اقتصادات الدول الناشئة، بل وإن المواطن يجهل بما تحقق، وإن الإعلام ينكر تلك النجاحات ويتذكر فقط السلبيات كما قال مصطفى مدبولي رئيس الحكومة قبل أيام، لكن دعونا نُناقش حقيقة تلك الأرقام من خلال رصد ستة مؤشرات.

 

المؤشر الأول:

الرواية الرسمية تقول إنّ سعر الدولار تراجع إلى أقل من 49 جنيهًا لأوّل مرة منذ فبراير الماضي مقابل 51.70 جنيهًا في إبريل الماضي، دون أن تكشف لنا الحكومة عن أسباب التراجع، وهل هو لأسباب خارجية تتعلّق بتهاوي سعر الدولار في الأسواق العالمية بنسبة 10% مقابل اليورو، أم لأسباب محلّية أخرى، وإذا كان التراجع حقيقيًا فلماذا لم ينعكس ذلك على الأسعار، لماذا لم تنخفض أسعار السلع الرئيسية، خاصة أنّ مصر تستورد نحو 70% من احتياجات أسواقها من الخارج، معظمه يُسدّد بالعملة الأميركية، وإذا كانت الجهات الرسمية تتحجج في أوقات سابقة بأن زيادة الأسعار ترجع بشكل أساسي إلى قفزات الدولار والتعويم المستمر للعملة المحلية، فبم تفسّر لنا عدم تراجع الأسعار في هذا التوقيت، خاصّة أن الأسواق المحلية تشهد ركودًا عميقًا بسبب قفزات الأسعار المتواصلة وتهاوي القدرة الشرائية للمصريين وتآكل مدخراتهم؟

 

المؤشر الثاني:

تتباهى الحكومة دومًا بحدوث قفزات في احتياطي الدولة من النقد الأجنبي، باعتباره حائط الصدّ أمام أي مخاطر خارجية تتعلّق بأعباء الديون الضخمة وكلفة الواردات وغيرها، وقبل أيام كشف البنك المركزي المصري عن ارتفاع صافي الاحتياطيات إلى 48.7 مليار دولار بنهاية يونيو 2025، مقابل 47.109 مليار دولار في نهاية 2024، بنمو 3.38%، وزيادة 1.591 مليار دولار.

السؤال هنا: هل هذا الاحتياطي النقدي مملوك بالكامل للدولة المصرية، وما هي قيمة الذهب المدرجة به، وكيف ساهمت قفزات المعدن الأصفر والقروض الخارجية والاقتراض الدولاري الداخلي من البنوك المصرية في زيادة الاحتياطي، وهل يُغذّى الاحتياطي من موارد ذاتية أم عبر قروض. كذلك ما هي قيمة ودائع الخليج المدرَجة ضمن الاحتياطي المصري، علمًا بأن تلك الودائع مستحقة السداد في مواعيد متفق عليها، وأن ثلاث دولٍ خليجية تحتفظ بودائع بقيمة 18.3 مليار دولار لدى المركزي المصري يحين أجل سداد آخر وديعة منها في أكتوبر 2026؟

 

المؤشر الثالث:

تتباهى الحكومة بمؤشر تراجع المعدّل السنوي للتضخم العام إلى 14.9% في يونيو 2025، مقابل 16.8% في مايو الماضي، بل وتؤكد انحسار الضغوط التضخمية الناتجة عن السلع الغذائية رغم الزيادة في أسعار الغاز المنزلي، السؤال: هل لمست الأسر المصرية تراجعًا في قيمة أسعار السلع بنسبة تفوق 50%، خاصّة أن التضخم السنوي وصل إلى 38% في سبتمبر 2023؟ وهل شعر المواطن بأن هناك تراجعًا في أسعار الوقود والكهرباء والمياه والرسوم والضرائب، أم إن الأسعار تواصل الزيادة حتى بالنسبة لرغيف الخبز في ظلّ خفض الدعم وزيادة الأسعار من قبل الحكومة؟

 

المؤشر الرابع:

هناك تباهٍ رسمي بأن مصر تمتلك أكبر حقل لإنتاج الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط، وهو حقل ظهر، وأن إنتاج الحقل يكفي لتلبية احتياجات مصر والتصدير الخارجي لسنوات، وأن هناك اكتشافات قوية في مجال الغاز والنفط، لكن الواقع يقول إن مصر خصصت 9.5 مليارات دولار لاستيراد الغاز والوقود بالسنة المالية الحالية 2025-2026، وإنها تعتزم مواصلة استيراد الغاز المسال حتى 2030، وإنها باتت واحدة من أكبر مستوردي الغاز، وإنها تجري محادثات لاستيراد الغاز من شركات أرامكو وترافيغورا وفيتول حتى عام 2028، وكذلك من قطر ومناشئ أخرى.

 

المؤشر الخامس:

تتفاخر الحكومة بتسجيل تحويلات المصريين العاملين في الخارج قفزة بنسبة 82.7 % خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي 2024-2025، حيث بلغت نحو 26.4 مليار دولار، مقابل 14.5 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام المالي السابق.

السؤال: ما انعكاس القفزة على حياة المصريين وكلفة المعيشة، خاصة أنّ التحويلات باتت المصدر الثاني للنقد الأجنبي في مصر بعد الصادرات، وهل قدمت تلك الحكومة خدمات مميزة للجاليات المصرية في الخارج لتشجيعها على زيادة تلك التدفقات الدولارية، أم تجاهلتها، بل وتمارس ضغوطًا على شريحة منها في استخراج بعض الأوراق الثبوتية مثل جواز السفر وبطاقة الرقم القومي وغيرها؟

 

المؤشر السادس:

تتفاخر الحكومة منذ سنوات طويلة بأن لديها برنامجًا للإصلاح الاقتصادي والمالي بالشراكة مع صندوق النقد الدولي، وأن الحكومة ملتزمة بمواصلة تنفيذ هذا البرنامج، وأنه في ظل البرنامج أثبت الاقتصاد المصري قدرته على الصلابة واستيعاب الصدمات ويسير في طريق التعافي، وأنه حقق نسبة نمو عالية بلغت 4.77% خلال الربع الثالث من العام المالي 2024-2025، وهناك تحسّن للمؤشرات رغم التحديات الراهنة. فهل يمكن أن تدلنا الحكومة على أبرز ملامح البرنامج وانعكاساته الإيجابية على المواطن والاقتصاد، وهل البرنامج يعني مزيدًا من الاستدانة والقروض وبيع أصول الدولة وشركاتها وبنوكها وأراضيها وخفض الدعم المقدم للطبقات الفقيرة، وانهيار الطبقة الوسطى؟ أم إنه يعني أمورًا لا نعرف عنها شيئًا؟

ينطبق الأمر على مؤشرات أخرى، منها مثلًا حديث الحكومة في بداية كلّ عام عن تحقيق الموازنة فائضًا أوليًا ومبدئيًا، فإذا بنا في نهاية العام نجد عجوزات ضخمة وزيادات في الدين العام غير مسبوقة، بالإضافة إلى شهادات المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية بشأن المؤشرات الكلية وتحسن قيمة العملة، وغيرها من المؤشرات الرسمية الوردية والمتفائلة التي لا نجد لها صدى على أرض الواقع.

الخلاصة أنه عندما تتحسّن معيشة الفرد في مصر، وتسترد العملة المحلية عافيتها، وتتراجع الأسعار، وتتوقف الحكومة عن سياسة الجباية وزيادة الأسعار وخفض الدعم، هنا يمكن القول إن المؤشرات الرسمية حقيقة، أما فيما عدا ذلك فهو "طق حنك وكلام مصاطب".