في واقعة جديدة تعكس حجم التدهور والفساد في منظومة الطاقة داخل مصر في ظل حكم عبد الفتاح السيسي، أعلنت وزارة البترول والثروة المعدنية في حكومة الانقلاب عن ضبط كمية ضخمة من الوقود، تحديدًا 125,294 لترًا من السولار والبنزين كانت مخزنة في محطتين بمحافظتي الزقازيق والساحل الشمالي، استعدادًا لبيعها في السوق السوداء بقيمة تفوق 3.7 ملايين جنيه مصري.

هذه الحادثة ليست مجرد مخالفة فردية بل تمثل مؤشرًا صادمًا على ما وصلت إليه إدارة الموارد الحيوية في البلاد من انهيار وغياب للرقابة.

 

وقائع الضبط..

بحسب بيان رسمي صادر عن وزارة البترول بتاريخ 11 يوليو 2025، فقد تمكنت فرق التفتيش التابعة للهيئة العامة للبترول من ضبط 75,320 لترًا من السولار و49,974 لترًا من البنزين بمحطتين مختلفتين، كانتا تستعدان لطرح الكميات بالسوق السوداء، مستغلتين نقص المعروض وزيادة الطلب في موسم الصيف، خاصة في منطقة الساحل الشمالي التي تشهد تدفقًا كبيرًا من المصطافين والمستثمرين العقاريين.

وبحساب متوسط سعر البيع غير الرسمي في السوق السوداء، والذي يصل إلى نحو 30 جنيهًا للتر الواحد – أي أكثر من ضعف السعر الرسمي – تقدر الجهات الرقابية أن القيمة الإجمالية للوقود المهرب تتجاوز 3.7 ملايين جنيه.

وتشير هذه الأرقام إلى وجود شبكات فساد منظمة تستغل الأزمات التي خلقتها الحكومة ذاتها.

 

تواطؤ النظام وغياب الرقابة

يرى مراقبون أن هذه الواقعة ليست استثناء بل تعكس نمطًا متكررًا من تواطؤ الأجهزة الحكومية مع لوبيات الاحتكار والفساد في قطاع الطاقة.

ووفقًا للخبير الاقتصادي الدكتور عبد الخالق فاروق، فإن "ضعف منظومة الرقابة وتداخل المصالح بين الأجهزة السيادية وكبار رجال الأعمال جعل من تجارة الوقود في السوق السوداء نشاطًا محميًا ضمنيًا، بل ومربحًا بشكل يفوق النشاط الشرعي".

وأشار فاروق في تصريح له على إحدى القنوات الاقتصادية المستقلة إلى أن "ما يتم الإعلان عنه لا يمثل إلا رأس جبل الجليد، بينما تتغاضى الدولة عن آلاف الحالات الأخرى التي تُمارس داخل محطات توزيع الوقود التابعة لجهات نافذة".

وأضاف أن ما يجري هو نتاج مباشر لسياسات السيسي التي تعتمد على الجباية والخصخصة وسحب الدعم، دون أي تخطيط أو رقابة حقيقية.

 

أزمة طاقة متفاقمة..

ورغم ضخ نظام الانقلاب المصري عشرات المليارات من الدولارات في مشروعات كبرى مثل مصفاة "مسطرد" وتوسعات "السخنة"، ورغم تصدير الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا وإسرائيل، إلا أن المواطن المصري لا يزال يعاني من نقص في البنزين والسولار، خاصة في المناطق الريفية والصعيد.

وكان تقرير صادر عن "الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء" في مايو 2025 قد أشار إلى تراجع الكميات الموزعة من السولار بنسبة 13% مقارنة بالعام السابق، بينما زادت أسعار الوقود بنسبة تفوق 20% خلال نفس الفترة، وهذا التناقض يطرح تساؤلات حول أولويات النظام وإدارته للموارد.

 

من محمد مرسي إلى السيسي.. مسار عكسي

يتذكر كثير من المصريين في سياق المقارنة كيف كانت حكومة الدكتور محمد مرسي (2012-2013) قد بدأت خطوات عملية لترشيد دعم الطاقة، من خلال استخدام الكروت الذكية وتطبيقات تتبع توزيع الوقود، رغم التحديات السياسية والاقتصادية حينها.

ويؤكد المحلل السياسي جمال الجمل أن "مرسي كان يحاول معالجة أزمة الطاقة من جذورها، عبر حلول تقنية ورقابية، في حين أن السيسي اتجه منذ انقلابه في 2013 إلى تفكيك منظومة الدعم دون حماية الفقراء أو ضبط السوق".

وأضاف الجمل أن "الانقلاب على مرسي لم يكن فقط انقلابًا على تجربة ديمقراطية، بل على مشروع إصلاحي كان يسعى لكسر شبكات الفساد والاحتكار، بما في ذلك تجارة الطاقة".

 

السيسي: من شعارات التقشف إلى اقتصاد السوق السوداء

منذ توليه السلطة في 2014، رفع السيسي شعارات ترشيد النفقات و"العيش على الفتات"، مطالبًا المصريين بالتقشف، في وقت لم تتوقف فيه حكومته عن رفع أسعار الوقود والمياه والكهرباء، بحجة الإصلاح الاقتصادي، إلا أن النتيجة الحقيقية لهذه السياسات كانت تصاعدًا في معدلات الفقر، وتفشي السوق السوداء، كما هو الحال في واقعة الزقازيق والساحل الشمالي.

ويؤكد الخبير الاقتصادي ممدوح الولي، نقيب الصحفيين الأسبق، أن "الاحتكار وعدم الشفافية هي السمات الأساسية للاقتصاد المصري حاليًا، في ظل استحواذ المؤسسة العسكرية على معظم القطاعات، بما فيها الطاقة والتوزيع، وهو ما أضعف القطاع الخاص وأفقد السوق توازنه".

 

الفساد محمي من القمة؟

الأسئلة الكبرى المطروحة اليوم: هل سيتوقف الأمر عند هذا الإعلان الدعائي لضبط كمية وقود؟ وهل سيتم التحقيق مع المسؤولين الكبار المتورطين في هذه الشبكات؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه استعراضًا لتلميع صورة نظام فقد شعبيته؟

يرى كثير من المحللين أن هذه الواقعة وغيرها تؤكد أن الانهيار ليس فقط في السياسات الاقتصادية، بل في بنية الحكم التي أسسها السيسي منذ انقلابه على الرئيس الشهيد محمد مرسي.

ويختم أحد النشطاء تعليقه على الحادثة بالقول: "الله يرحمك يا مرسي... لو كانوا سابوك تكمل، ما كنا وصلنا لكده".