منذ أن أطاح عبد الفتاح السيسي بالرئيس المنتخب د محمد مرسي في الثالث من يوليو 2013، دخلت مصر مرحلة غير مسبوقة من القمع والانتهاكات، بحسب تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" لعام 2024، فإن عدد المعتقلين السياسيين في مصر تجاوز 65 ألف شخص، بعضهم محتجزون منذ أكثر من 10 سنوات دون محاكمات عادلة، وشهدت السنوات الماضية عمليات إعدام بالجملة، واختفاءات قسرية، وقتل خارج إطار القانون، وسط صمت رسمي وعجز داخلي، وتُعد مجزرة "رابعة العدوية" في أغسطس 2013 أبرز مثال على انطلاق عهد القمع، حيث قُتل فيها أكثر من 1000 متظاهر سلمي، ولم يُحاسب أي مسؤول حتى اليوم.
مطالبات دولية بوقف الانتهاكات والإفراج عن المعتقلين
في سابقة دولية تعكس تدهور أوضاع حقوق الإنسان في مصر منذ انقلاب يوليو 2013، تلقّت حكومة عبد الفتاح السيسي 343 توصية من الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، خلال جلسة الاستعراض الدوري الشامل المنعقدة بجنيف في مايو 2024، هذه التوصيات شملت ملفات بالغة الخطورة، من بينها القمع السياسي، وحرية التعبير، والتعذيب، وظروف الاحتجاز، وتصفية المعارضين، وغياب العدالة المستقلة، وقد وصف حقوقيون هذه الحصيلة بأنها "إدانة جماعية للنظام"، تُظهر كيف أصبحت مصر تحت حكم السيسي واحدة من أسوأ الدول في سجل الحريات،
التوصيات الـ343 التي تلقتها مصر من دول مختلفة، شملت مطالبة بالإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين، وإلغاء قوانين تقييد حرية التعبير، والتوقف عن استخدام التعذيب داخل السجون، كما دعت دول مثل ألمانيا وكندا والنرويج وهولندا إلى فتح المجال أمام المنظمات الحقوقية، ورفع الحظر عن الصحافة المستقلة، وأشارت الولايات المتحدة في مداخلتها إلى ضرورة مراجعة أوضاع السجون، ووقف محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وهي ممارسات شائعة في مصر منذ انقلاب 2013،
السيسي يرد بإنكار الواقع وادعاء "الاستقرار"
كعادته، رد النظام المصري بإنكار الحقائق، حيث قال مندوب مصر في الأمم المتحدة، خلال جلسة جنيف، إن "الدولة المصرية تسير بخطى ثابتة نحو تعزيز حقوق الإنسان، في إطار استراتيجيتها الوطنية التي أطلقتها عام 2021"، لكن الواقع يكذّب هذه المزاعم، إذ لم تُنفَّذ أي من توصيات الاستعراض السابق في 2019، وعددها 300 توصية، بل تدهورت الأوضاع أكثر، ومن المثير للسخرية أن النظام استخدم وثيقة "استراتيجية حقوق الإنسان" كواجهة للتجميل، بينما تستمر حملات الاعتقال والمطاردة الأمنية لأي صوت معارض، حتى داخل المجتمع المدني المحدود والمراقب بعناية،
الأمم المتحدة.. سجل مصر مقلق ومرفوض
أكثر من 70 منظمة دولية، بينها العفو الدولية، ومفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، أكدت أن سجل مصر في مجال الحريات "مقلق للغاية"، وفي تقريرها الصادر في يونيو 2024، ذكرت المفوضية أن مصر تستخدم تهم الإرهاب لتبرير قمع المعارضين، بما فيهم صحفيون وأطباء وأساتذة جامعات، كما أن غياب الشفافية في أماكن الاحتجاز، واستمرار استخدام الحبس الاحتياطي لسنوات، وتضييق الخناق على الإنترنت والصحافة، كلها مؤشرات على استهزاء النظام بأبسط الحقوق المدنية والسياسية.
إلى أين تتجه مصر في ظل هذا القمع؟
بينما تحاول حكومة السيسي تحسين صورتها دوليًا عبر لقاءات شكلية وتصريحات فارغة، تستمر الوقائع على الأرض في فضحها أمام العالم، فالاقتصاد ينهار، والاحتقان الشعبي يتصاعد، والمجتمع يئن تحت وطأة الفقر والقمع، ويطرح المراقبون سؤالًا جوهريًا، هل يمكن أن تستقر دولة تخنق الحريات؟ الإجابة يقدمها الشارع المصري الذي يعيش في حالة احتقان مكتوم، لن يصمد طويلًا في ظل انسداد الأفق السياسي وتراكم الغضب الشعبي، وربما يكون هذا الكم الهائل من التوصيات الدولية بمثابة جرس إنذار أخير لنظام فقد شرعيته منذ لحظة انقلابه على الإرادة الشعبية،