ترى دول الخليج طرفين خاسرين في الصراع الأخير بين إسرائيل وإيران، وفقًا لما نقله موقع ميدل إيست آي عن محللين ومسؤولين عرب. وبعد أن خرجت دول الخليج من الأزمة دون أضرار تذكر، بدأت تفكر في استثمار مكاسبها النسبية على حساب الطرفين.

رأى قادة السعودية والإمارات المشهد يتبدل، بعدما كانوا يواجهون في السابق هجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة أطلقها الحوثيون الموالون لطهران. في الحرب الأخيرة، قصفت الطائرات الإسرائيلية الدفاعات الجوية الإيرانية، واغتالت جنرالات بالحرس الثوري، ودمرت منصات صواريخ ومنشآت أسلحة، قبل أن تختتم الولايات المتحدة الغارات بقصف منشآت نووية في فوردو ونطنز وأصفهان.

هذا ما ركّز عليه المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون خلال تواصلهم مع دول الخليج، بحسب ما نقله ثلاثة مسؤولين عرب للموقع. لكن المشهد الأهم من وجهة نظرهم هو أن العالم العربي رأى للمرة الأولى إسرائيل تواجه جيشًا نظاميًا لا مجرد فصائل مقاومة.

 

ضعف الجبهة الداخلية الإسرائيلية

قال أحد المسؤولين العرب، إن الجيش الإسرائيلي أظهر شجاعة، لكن الجبهة الداخلية انهارت نفسيًا بعد أسبوعين فقط من الضربات الصاروخية. وأوضح أن بعض العواصم العربية رأت أن إسرائيل بادرت بقبول وقف إطلاق النار بعد استنفاد أهدافها العسكرية، وبعد إدراكها أن إيران لم تنهار.

الأكاديمي الكويتي بدر السيف أشار إلى أن صورة إسرائيل "التي لا تُهزم" سقطت، وأن إيران نجحت في وقف التوغّل الإسرائيلي، وأظهرت قدرة على الرد. وأوضح أن هذا التغيير في نظرة الدول العربية لإسرائيل سيمنحها مزيدًا من النفوذ في التعامل معها.

توقّع مسؤولون خليجيون انفتاح قنوات استثمارية جديدة مع إيران، مشيرين إلى احتمال عقد زيارات رفيعة المستوى قريبًا. السعودية بالفعل أرسلت وزير دفاعها، وهو شقيق ولي العهد، في زيارة إلى طهران في أبريل الماضي.

في الوقت نفسه، عبّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن استعداده لإعادة إطلاق المفاوضات النووية مع إيران، رغم وصفه للبرنامج النووي الإيراني بأنه "تحوّل إلى رماد". وبحسب المسؤولين الخليجيين، فإنهم يدعمون الحوار ويملكون الآن نفوذًا أكبر في طهران نتيجة علاقتهم بواشنطن.

 

الخليج يفاوض من موقع قوة

وقّعت الإمارات وقطر والسعودية عقودًا بمئات المليارات مع الولايات المتحدة أثناء زيارة ترامب للمنطقة في مايو. وقبل الزيارة، ضغطت السعودية لوقف الهجمات الأمريكية على الحوثيين ونجحت في ذلك، كما رفع ترامب بعض العقوبات عن سوريا.

ورغم عدم القدرة على منع إسرائيل من مهاجمة إيران، إلا أن دول الخليج تجنبت تعرض أراضيها لهجمات. وذكر مسؤولون أن الضربات الأمريكية على المنشآت الإيرانية ظلت محدودة، وأن طهران نسّقت هجومها على قاعدة العديد في قطر مسبقًا مع شركاء خليجيين.

قال الخبير أيهم كامل إن الأزمة عززت مكانة الخليج كقوة دبلوماسية إقليمية، حيث تجنّبت الهجوم، ولعبت دورًا في تهدئة التصعيد، ونجحت في الحفاظ على علاقات مع إيران وتركيا وإسرائيل في الوقت نفسه.

 

تعاطف خليجي غير مسبوق مع إيران

حاولت الولايات المتحدة منذ سنوات بناء تحالف بين الخليج وإسرائيل ضد إيران، خاصة حين سيطر حزب الله على لبنان، والأسد على سوريا، والحوثيون على صنعاء. لكن عند اندلاع الحرب المباشرة بين إسرائيل وإيران، فضّلت دول الخليج السعي لوقف التصعيد بدلًا من الانحياز العسكري.

وصف الدبلوماسي الأمريكي السابق باتريك ثيروس الموقف بقوله: "حتى داخل الطبقات الحاكمة، تسود الآن نغمة تعاطف غير مسبوقة مع إيران". وأوضح أن السعودية اليوم تختلف تمامًا عن صورتها في 2018، عندما شبّه ولي عهدها المرشد الإيراني بهتلر.

بعد التورّط في حرب اليمن وتعرّض منشآت النفط لهجمات، بدأت السعودية تنسّق بهدوء مع طهران. وفي عام 2023، رعت الصين اتفاقًا لتطبيع العلاقات بين البلدين. النتيجة كانت فتح مضيق هرمز أمام شحنات النفط، وارتفاع صادرات إيران، وهدوء في المنشآت السعودية.

قال السيف: "نشعر الآن أننا كنا على صواب حين رفضنا المشاركة في الحرب".

 

غزة تعرقل التطبيع

تركّز السعودية والإمارات على تنويع اقتصادهما، من خلال مشروعات الذكاء الاصطناعي والسياحة الفاخرة بدلًا من الاعتماد الكامل على النفط. وفي هذا السياق، لا تبدو الحرب ولا التصعيد العسكري مفيدًا.

أشار باتريك ثيروس إلى أن خفوت الخطاب الطائفي بعد تقليص نفوذ التيار الوهابي سهّل تقارب الرياض مع طهران، وأضعف حجج إسرائيل أمام السعودية.

وفي الوقت نفسه، تدهورت صورة إسرائيل في الشارع الخليجي بسبب مجازرها في غزة. وأظهر استطلاع للرأي أن 96٪ من السعوديين يرفضون التطبيع. ومع ازدياد الغضب الشعبي، يصعب على الرياض تقديم تنازلات لإسرائيل.

ترامب أعلن رغبته في توسيع وقف إطلاق النار ليشمل غزة، وقال إن "تقدمًا كبيرًا يتحقق" هناك. لكن السعودية تصرّ على خطوات فعلية نحو دولة فلسطينية قبل أي حديث عن تطبيع. وأكد أحد المسؤولين: "السعودية تدرك جيدًا المزاج الشعبي العربي... وستطلب مقابلًا أعلى".
https://www.middleeasteye.net/news/vindicated-unscathed-war-gulf-states-look-capitalise-israel-and-irans-losses