مرت السياسات الاستثمارية في مصر ومنها تملك الأجانب للعقارات أو الأراضي بمراحل عدة متنوعة، فعلى مدار أكثر من 220 عاماً، تنقلت القاهرة بين عدة أنظمة اقتصادية واستثمارية متباينة لكن لم يستطع الأجانب أن يتملكوا الأراضي في مصر منذ قيام ثورة 1952، لكن مع التحولات الكبرى التي شهدتها البلاد وسيطرة العسكر على البلاد انتهت الحال إلى ظهور الملكيات الخاصة المرتبطة أساساً بالرأسمالية.
 

تملك الأجانب من دون قيود
   
واستمرت الشروط المقيدة لتملك الأجانب للأراضي والعقارات في مصر، حتى أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في مايو 2023 أن حكومته قررت السماح للأجانب بتملك العقارات داخل البلاد من دون التقيد بعدد محدد، لافتاً إلى أن الدولة في إطار تيسير تخصيص الأراضي للمستثمرين ستعمل على سرعة تسجيل الأراضي للمستثمر الذي لم يخالف الشروط الموجودة.

وقال رئيس الحكومة في بيان آنذاك إن "القرارات المنظمة في السابق، أفادت بأن الحد الأقصى لتملك الأجانب للعقار، بعدد اثنين في مدينتين مختلفتين"، موضحاً "لا رقم محدداً، فأي أجنبي يريد تملك عقارات داخل مصر فالعدد مفتوح وفقاً لضوابط متعلقة بسداد القيمة بالعملة الحرة، لا قيود في العدد ومن حق الأجانب تملك أي عدد من العقارات".

وبحسب بيان ميزان المدفوعات الصادر عن البنك المركزي المصري، ارتفع صافي التحويلات الواردة لشراء عقارات في مصر بمعرفة غير مقيمين لتصل إلى 970.3 مليون دولار خلال العام المالي 2021/2022 بزيادة قدرها 353.9 مليون دولار.
 

عودة الإمتيازات الأجنبية
   
تخصيص الحكومة لمساحات واسعة من الأراضي ومنح امتيازات للشركات والحكومات الأجنبية، هو رجوع لعهد ما قبل الثورة، فمنح الامتيازات وحق الانتفاع لشركات ودول دون أن تثمر استثماراً حقيقياً وعوائد مجدية منذ أكثر من عشر سنوات، في مقابل مبالغ مالية زهيدة ولمدد زمنية طويلة، وصلت إلى 38 سنة في مناطق و50 سنة في أخرى أكثر حيوية واستراتيجية في المدخل الشمالي للقناة شرق مدينة بورسعيد دون قواعد قانونية ومبادئ محاسبية هو إهدار للمال العام، وتضييع لفرص نهوض الاقتصاد المصري من جديد، وهو وأد لبادرة الخروج من كهف الفقر المظلم وعهد البطالة الذي دخلته مصر بعد الانقلاب العسكري.

ومع مطلع القرن الـ20، تكاثرت الشركات الأجنبية بالأساس ومعها بعض المحلية، التي امتلكت الأراضي لتنفيذ مشروعاتها الاستثمارية، مع عودة الإقطاعيين إلى المشهد العام، حتى قضت ثورة يوليو 1952، على نظام الإقطاع، ثم تأميم الشركات التجارية والصناعية التي استأثر بها الأجانب، ثم أنهت السيطرة الرأسمالية في مجالات الإنتاج الزراعي والصناعي التجارية.

لكن عبدالفتاح السيسي ونظرا لفشله في إدارة البلاد قرر أن يتخلص من ملكية الأراضي المصرية نظير تنازل الدول عن أموالها وودائعها التي استولى عليها وقام بتبديدها ما بين سرقة أجزاء منها وما بين مشاريع فنكوشية ابتلعت تلك الأموال دون أن تدر نفع على الدولة أو المواطن، ليهيئ عودة الإمتيازات الأجنبية.

تشير تقارير إلى رغبة السعودية في التنازل عن ودائعها لدى البنك المركزي المصري، البالغ قيمتها 10.3 مليارات دولار، منها 5 مليارات دولار قصيرة الأجل، مقابل إتمام صفقة رأس جميلة، والاستحواذ على عدد من الشركات الحكومية في مصر، منها شركة "سيرا" المتخصصة في تقديم الخدمات التعليمية، و5 شركات أخرى تعمل في مجالات التطوير العقاري والصحة والطاقة والكهرباء والخدمات المالية والأغذية.

وتعتزم دولة الكويت شراء صكوك بقيمة مليار دولار في رأس شقير، تعادل قيمة الوديعة المنتهية لحسابها بالبنك المركزي العام الجاري.

تعد منطقة رأس شقير ورأس بناس من أكبر تجمعات الشعاب المرجانية البكر في العالم، وهي عبارة عن لسان يشكل شبه جزيرة بطول 50 كيلومتراً داخل مياه البحر الأحمر، وتضم ميناء برنيس القديم الذي كان يربط بين مصر في العصر الفرعوني ودولة "بنت" في الصومال، وتقع أيضاً في الجهة المقابلة مدينة ينبع السعودية.
 

أراضي مقابل الديون
   حالة من التفاعل والجدل الشديد أثارها قرار، عبد الفتاح السيسي، قبل أيام بتخصيص مساحة كبيرة من الأراضي على ساحل البحر الأحمر لصالح وزارة المالية المصرية لاستخدامها في خفض ومبادلة الديون المستحقة على الدولة المصرية لصالح العديد من الدول والمنظمات الدولية.

ورأى خبراء وحقوقيون أن هذا القرار هو تفريط في الأراضي المصرية وتهديد للأمن القومي المصري، وتحميل للأجيال المقبلة لتبعات توسع الحكومة المصرية في الاستدانة من الخارج.

ويرى مراقبون أن الدولة المصرية تسعى إلى إبرام صفقة "إنقاذ مالي جديدة" على غرار صفقة "رأس الحكمة"، التي فاز بها صندوق الثروة بدولة الإمارات العربية المتحدة في مارس 2024، بقيمة 35 مليار دولار.
ووفقاً لتقارير مجلس الوزراء المصري، فإن الحكومة المصرية تتوقع ارتفاع الفجوة التمويلية في موازنة العام المالي المقبل (2025-2026) بأكثر من 25% لتصل إلى 3.6 تريليونات جنيه، بما يعادل نحو 70 مليار دولار وفقاً
 

توقعات سعر الدولار في الموازنة الجديدة.
   وتعتزم وزارة المالية تغطية عجز الموازنة من خلال إصدار أدوات دين محلية جديدة، في صورة أذون خزانة بقيمة 2.2 تريليون جنيه، وسندات خزانة بنحو 928.9 مليار جنيه، في إطار خطة حكومية تستهدف زيادة الإنفاق على الرعاية الاجتماعية، وسد العجز في الموازنة.

وارتفعت ديون مصر الخارجية بنسبة 1.5% على أساس ربع سنوي، إلى 155.2 مليار دولار في الربع الأول من العام المالي (2024-2025)، مقارنة بـ152.9 مليار دولار في نهاية العام المالي (2023-2024)، وفق بيانات البنك المركزي الرسمية.

وتضاعفت ديون مصر الخارجية نحو أربع مرات خلال السنوات العشر الماضية، نتيجة زيادة الاقتراض من الدول الهيئات الدولية المانحة حيث تمثل الديون المقومة بالدولار الأمريكي أكثر من ثلثي الديون الخارجية للبلاد.