في تقرير مطول لميدل إيست مونيتور، ترى د. زرقاء برويز أن العالم يشهد مفارقة مروعة؛ حيث تُعاد صياغة الحروب في القرن الحادي والعشرين على أنها وسائل لتحقيق السلام، بينما تُقصى الحلول الدبلوماسية لصالح الاستعراضات العسكرية وحروب السردية الإعلامية. في هذا السياق، تتحول وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة صراع جديدة، حيث يُعاد تشكيل الرأي العام وتُمحى أدوار الوسطاء الحقيقيين. مثال ذلك تهميش دور قطر المركزي في الوساطة بين إسرائيل وإيران، رغم دورها المحوري في إعلان وقف إطلاق النار، كما تجاهلته عناوين صحف كبرى مثل نيويورك تايمز.

الصراع في الشرق الأوسط يُظهر كيف تتحول المنطقة إلى ميدان حروب وكالة تنفذها قوى كبرى تستغل مواردها وموقعها، وتضرب بعرض الحائط مبدأ السيادة. ورغم ادعاء الغرب حماية القانون الدولي، يسمح لإسرائيل بالتوسع العسكري دون مساءلة، ويجري تبرير تدخلاتها تحت ذريعة "حماية المصالح"، وهو ما يعكس امتدادًا لمفاهيم استشراقية ترى المنطقة كأرض خارجة عن قواعد النظام الدولي.

وسط هذا المشهد، تبرز قطر كلاعب استثنائي في مجال الوساطة الدولية. رغم صغر حجمها، تمكنت من بناء "رأسمال دبلوماسي" سمح لها بالتوسط في أزمات متعددة: من لبنان إلى أوكرانيا، ومن تبادل الأسرى في أفغانستان إلى التهدئة في غزة. قوة قطر لا تنبع من سلاح أو تكتل عسكري، بل من ثقة الأطراف المختلفة بقدرتها على الحياد والمصداقية.

الهجوم الصاروخي الأخير الذي اخترق الأجواء القطرية لا يشكل فقط خرقًا للسيادة، بل يرمز إلى تهديد للمساحات الآمنة الضرورية للعمل الدبلوماسي. عندما تُنتهك أجواء بلدٍ وسيط دون رد دولي، يتلاشى أحد الأسس الحيوية لحماية الوساطة والنقاش السلمي. ويأتي ذلك في وقت تتعرض فيه قطر أيضًا لهجوم إعلامي ممنهج، حيث تُنسب إنجازاتها إلى قوى أخرى، ما يعكس نوعًا جديدًا من التهميش يدمج الإقصاء المادي مع محو السردية.

المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة تبدو عاجزة عن حماية دور الوسطاء، في وقت تتصاعد فيه الهيمنة عبر مزيج من القسر العسكري والتحكم في الرواية الإعلامية. هذه الأزمة تعكس "أزمة هيمنة" بمفهوم جرامشي، حيث لم تعد القوى الكبرى قادرة على فرض شرعيتها عبر التوافق، فتلجأ إلى الإكراه والتزييف الإعلامي.

النموذج القطري يطرح تحديًا جادًا لهذه المنظومة. إذ يُظهر أن التأثير الدولي لم يعد مقصورًا على القوى العظمى، بل يمتد إلى الدول التي تراهن على الشرعية الأخلاقية والدبلوماسية. في عالم مترابط، قد تكون القدرة على بناء الجسور أكثر أهمية من فرض السيطرة بالقوة.

الكاتب يرى أن ما حدث لقطر جرس إنذار عالمي. فإذا أصبح صانعو السلام أهدافًا للضربات وللتجاهل الإعلامي، نكون قد فقدنا آخر أدوات حل النزاعات بشكل سلمي. حماية الوساطة القطرية لا تعني فقط الدفاع عن قطر، بل حماية الأمل في عالم بديل لا يحكمه العنف ولا تُقمع فيه الجهود الصادقة.

ختامًا، تدعو الكاتبة إلى حماية "المساحات من أجل السلام" بكل أبعادها: الجغرافية والسياسية والإعلامية. الاعتراف بجهود قطر ومنحها التقدير المناسب في الرواية العالمية ليس مسألة مجاملة دبلوماسية، بل ضرورة لإنقاذ فكرة السلام ذاتها من أن تُسحق تحت وطأة سباق الهيمنة والسلاح والمعلومة.
 

https://www.middleeastmonitor.com/20250624-when-peacemakers-become-targets-how-the-attack-on-qatars-sovereignty-endangers-global-diplomacy/