تشهد محافظات المنيا وبني سويف والفيوم أزمة حادة في نقص مياه الري، رغم مرور نهر النيل عبر أراضيها، ما يهدد الموسم الزراعي ويؤثر على حياة المزارعين، تعاني هذه المحافظات من نقص في مياه الري بسبب عدة عوامل منها التوسع في زراعة المحاصيل الصيفية الشرهة للمياه مثل الذرة والقطن، حيث تجاوزت مساحة الذرة 2.5 مليون فدان، والقطن 335 ألف فدان، مما يزيد الطلب على المياه بشكل كبير.

كما أن ارتفاع درجات الحرارة وزيادة استصلاح الأراضي الصحراوية التي تأخذ من حصص الأراضي القديمة، إضافة إلى تقاعس بعض المسؤولين في وزارة الري عن توصيل المياه بانتظام، كلها عوامل ساهمت في تفاقم المشكلة.

 

ما الأسباب الحقيقية لنقص مياه الري؟

يرجع نقص مياه الري في هذه المحافظات إلى عدة أسباب رئيسية:

  • التوسع الكبير في زراعة المحاصيل الصيفية التي تستهلك كميات كبيرة من المياه مثل الذرة والقطن والأرز والبطيخ.
  • عدم تنظيف الترع من الحشائش والعوالق التي تعيق تدفق المياه.
  • التغير في التركيبة المحصولية وزيادة المساحات المزروعة، مما يضغط على الحصص المائية المحدودة.
  • الفساد ومحابات بعض كبار المزارعين على حساب آخرين في توزيع المياه.
  • التحديات التي فرضها سد النهضة الإثيوبي الذي يقلص من حصة مصر من مياه النيل، حيث قد تخسر مصر حوالي 10 مليارات متر مكعب سنوياً إذا تم ملء السد خلال 7 سنوات كما تطالب مصر.

 

أسباب الجفاف.. الفشل السياسي

الأزمة الحالية ليست ناتجة عن الجفاف الطبيعي فقط، بل عن فشل سياسي واضح في إدارة ملف المياه، أبرز الأسباب تشمل:

  • التفريط في حقوق مصر التاريخية في مياه النيل: بعد توقيع السيسي على "إعلان المبادئ" في مارس 2015 مع إثيوبيا والسودان، وهو الإعلان الذي أعطى شرعية لبناء سد النهضة دون ضمانات واضحة لحصة مصر.

في تصريح لوزير الري الأسبق محمد نصر علام في أكتوبر 2024، قال "مصر كانت تمتلك أدوات ضغط حقيقية ضد إثيوبيا، لكنها فُقدت بتوقيع السيسي على إعلان المبادئ. الآن نحن نُعاني نتيجة التخلي عن حقوقنا القانونية."

  • الحلول الشكلية: مثل تبطين الترع، دون معالجة حقيقية لأسباب الأزمة المائية أو الضغط على إثيوبيا دوليًا.
  • سوء توزيع المياه داخليًا: حيث يُخصص جانب كبير من المياه لمشاريع العاصمة الإدارية الجديدة ومزارع الضبعة والعلمين، بينما يُترك مزارعو الصعيد لمصيرهم.

 

إجراءات دولة الانقلاب للحد من استهلاك المياه

اتخذت حكومة الانقلاب بقيادة عبد الفتاح السيسي عدة إجراءات للحد من استهلاك المياه، منها:

  • متابعة صيانة وتشغيل محطات الرفع في بني سويف والمنيا على مدار الساعة لضمان وصول المياه.
  • تطبيق نظام المناوبات بدقة والالتزام بالحصص المائية المقررة، مع مراقبة استخدام المياه عبر تركيب عدادات وربطها بمنظومة التليمتري.
  • تشديد الإجراءات القانونية ضد المخالفين وفتح الري غير المرخص.
  • تشجيع التحول إلى نظم الري الحديثة لترشيد استهلاك المياه.
  • رفع تعريفة استخدام المياه بشكل كبير، حيث ارتفع سعر متر المياه من قروش قليلة إلى نحو 5 جنيهات مع إضافة رسوم الصرف الصحي، إلى جانب تغليظ العقوبات على الإسراف في الاستخدام.
  • تنفيذ مشاريع ضخمة لتحلية مياه البحر وإنشاء محطات معالجة متطورة لإعادة استخدام المياه.
  • إنفاق حوالي 200 مليار جنيه حتى الآن على مواجهة أزمة المياه، مع خطط لإنفاق بين 70 إلى 100 مليار جنيه سنوياً في السنوات القادمة، وتوقعات بوصول الإنفاق إلى 900 مليار جنيه بحلول 2037.

رغم هذه الإجراءات، يرى خبراء أن السياسات المتبعة تركز على تحميل المواطنين مسؤولية الأزمة من خلال رفع الأسعار وتغليظ العقوبات، بدلاً من معالجة جذور المشكلة الحقيقية مثل سوء الإدارة والفساد.

 

حصص مصر التاريخية من مياه النيل..

وفقًا للاتفاقيات الدولية (1929 و1959)، كانت حصة مصر من مياه النيل تبلغ 55.5 مليار متر مكعب سنويًا، بينما تحصل السودان على 18.5 مليار. هذه الحصة كانت ثابتة حتى ما قبل ثورة 25 يناير.

بعد الثورة، رفض الرئيس محمد مرسي أي محاولة للانتقاص من هذه الحصة، بل أعلن صراحة أن "كل الخيارات مفتوحة إذا تعرّضت مياه النيل للخطر".

لكن بعد انقلاب 3 يوليو 2013، وقّع قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي إعلان المبادئ عام 2015، الذي فتح الباب أمام إثيوبيا لملء سد النهضة بشكل أحادي، وبدأت الحصة الواقعية لمصر بالتراجع، إذ تشير تقارير غير رسمية إلى أن المياه الواردة حاليًا لا تتجاوز 43 مليار متر مكعب سنويًا، أي بانخفاض يصل إلى 22%، مع توقعات بتراجع إضافي عند اكتمال تعبئة السد.

وازدادت أزمة المياه حدة بسبب التوسع غير المنظم في زراعة الأراضي الجديدة، وغياب الرقابة الصارمة، مما أدى إلى زيادة الضغط على الحصص المائية القديمة التي لم تتغير بشكل ملائم لتلبية الطلب المتزايد، والمؤكد أن حصص الأراضي القديمة لم تزداد رغم زيادة المساحات المزروعة، مما أدى إلى نقص في المياه يصل إلى حد العطش في بعض المناطق.

 

مرسي والسيسي.. من الوضوح إلى الاستسلام

  • موقف الرئيس محمد مرسي: كان واضحاً وقوياً وصريحاً في التعامل مع أزمة المياه، حيث طالب بحل جذري لأزمة سد النهضة، ورفض التنازل عن حقوق مصر المائية، كما كان يدعو إلى تنسيق جاد مع دول المصب والمصدر لحماية حصص مصر من مياه النيل. كما كان يدعم سياسات ترشيد المياه بشكل متوازن مع دعم الفلاحين.
  • موقف الانقلابي عبد الفتاح السيسي: يتسم بالمواقف المائعة والتبريرية، حيث تحمل الحكومة المواطن المصري وحده مسؤولية أزمة المياه، من خلال رفع الأسعار وتغليظ العقوبات، دون معالجة حقيقية لأسباب الأزمة مثل الفساد والتوسع غير المنظم.

كما أن خطط السيسي تركز على مشاريع تحلية المياه باهظة التكلفة، وتقديم وعود غير واضحة بحلول مستدامة، مع استمرار الأزمة وتفاقمها في المحافظات الزراعية.

السيسي أقر في أكتوبر 2019 أن مصر دخلت مرحلة الفقر المائي، مع نصيب فردي سنوي من المياه يبلغ 500 متر مكعب، وهو نصف الحد الأدنى للفقر المائي عالمياً، لكنه لم يقدم حلولاً جذرية سوى الإنفاق المالي الضخم على مشاريع تحلية المياه وإعادة التدوير، بينما يستمر نقص المياه في الأراضي الزراعية القديمة.