تناول الكاتب معين رباني في مقاله بموقع ميدل إيست آي خلفيات وقف إطلاق النار الأخير بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، فيما بات يُعرف بـ"حرب الاثني عشر يومًا"، بحسب وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ويطرح الكاتب سؤالًا محوريًا: ما الذي دفع الأطراف إلى القبول بالتهدئة؟
دوافع واشنطن
الولايات المتحدة، بحسب رباني، دعمت الحرب الإسرائيلية باعتبارها وسيلة لتحسين شروط التفاوض مع طهران. كان الهدف إجبار إيران على تفكيك برنامجها النووي، والتخلي عن تخصيب اليورانيوم، وإنهاء برنامجها الصاروخي، وقطع علاقتها بمحور المقاومة، كشرط لاتفاق جديد تفرضه واشنطن.
وقد تجلّت تلك الأهداف في القصف الأمريكي لثلاث منشآت نووية إيرانية، وتهديدات بتوسيع الحملة إذا ردّت طهران. ورغم ادعاء ترامب بأن الضربات "دمّرت" البرنامج النووي الإيراني، فإن خبراء كثيرين اعتبروا التصريحات مبالغًا فيها، مؤكدين أن إيران نقلت المواد والمعدات الأساسية قبل الهجوم، ولا تزال تحتفظ بالمعرفة التقنية لإعادة بناء البرنامج.
إيران: ضربة محدودة وهدوء مشروط
ردّت إيران بضربة رمزية على قاعدة "العديد" الأمريكية في قطر، دون وقوع إصابات، ما سمح لترامب بتجاهل الرد واعتباره مجرد استعراض ناري. لكن في الوقت نفسه، أظهرت إيران أنها مستعدة لتوسيع نطاق الحرب إذا شعرت بتهديد حقيقي.
ومع تزايد فاعلية الضربات الإيرانية وازدياد فشل الدفاعات الجوية الأمريكية والإسرائيلية، رأت طهران أن استمرار الحرب سيكلفها المزيد من الخسائر، وقد يؤدي إلى انخراط أمريكي أوسع. كما أن اندلاع حرب شاملة كان سيقوّض علاقاتها الناشئة مع دول الخليج، بينما لم تبد روسيا أو الصين استعدادًا لتعويض خسائرها الدفاعية في ظل استمرار القتال.
لذا، قبِلت إيران بوقف إطلاق نار غير رسمي، لا يلزمها بشيء سوى التوقف عن الرد إذا توقفت إسرائيل عن الهجوم.
المأزق الإسرائيلي
أما إسرائيل، فواجهت وضعًا أكثر تعقيدًا. إذ فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة: لم تدمر البرنامج النووي الإيراني، ولم تُسقط النظام، ولم تُرغم واشنطن على خوض حرب شاملة. ورغم إلحاق أضرار كبيرة بالبنية العسكرية الإيرانية، واغتيال عدد من العلماء والقادة، فإن هذه الخسائر يمكن تعويضها.
بل استمرّت إيران في إطلاق صواريخها الباليستية حتى اللحظة الأخيرة، ما يُفقد إسرائيل القدرة على الادعاء بأنها "ردعت" طهران. ومع نفاد منظومتها الدفاعية وتزايد الانتقادات في الداخل الأمريكي، جاء الاتصال من واشنطن بوقف النار كإعلان عن نهاية الأهداف العسكرية.
الغضب في أوساط حلفاء إسرائيل، كما يشير رباني، دليل على أن النتيجة لم تكن كما خطط لها نتنياهو.
النموذج اللبناني ومحاولة التكرار
لم تُوقّع أي من إسرائيل أو إيران على اتفاق وقف إطلاق نار رسمي، بل اعتمد الطرفان "تفاهمًا" هشًا: إذا توقف الطرف الآخر عن إطلاق النار، سنفعل كذلك. وقد تحاول إسرائيل تكرار "النموذج اللبناني"، أي فرض وقف نار على العدو دون أن تلتزم به هي، تحت غطاء أمريكي. لكن من غير المرجح نجاح هذا النموذج مع إيران.
تساؤلات ما بعد الهدوء
يشير رباني إلى أن إسرائيل قد تستأنف عدوانها في لبنان، بالتوازي مع استمرار الإبادة في غزة، لمحاولة إنهاك حزب الله ونزع سلاحه. أما مستقبل التهدئة، فيرتبط بمصير المفاوضات النووية. ألغى ترامب الاتفاق النووي قبل أسبوعين وشنّ الحرب بدلًا منه، فيما تصر واشنطن على أن تتخلى طهران عن حقوقها النووية المنصوص عليها في معاهدة عدم الانتشار (NPT)، وهو شرط ترفضه إيران.
كما ترفض طهران مناقشة برنامجها الصاروخي أو تحالفاتها الإقليمية، وإذا فعلت، فذلك يعني فعليًا أنها خضعت بالكامل للإملاءات الإسرائيلية.
خطر انهيار النظام النووي الدولي
خلال 12 يومًا فقط، مزّقت الحرب الاتفاقيات النووية الدولية، وعلى رأسها معاهدة عدم الانتشار. والسؤال المطروح الآن: هل ستُخرج إيران مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتنسحب من المعاهدة، وتسلك طريق إسرائيل بتطوير قنبلة نووية سرًّا؟
رباني يرى أن الضغط الداخلي على القيادة الإيرانية كبير، وقد يكون من غير المجدي استمرار استخدام "عتبة التسلح النووي" كورقة تفاوض، بدلًا من امتلاك الردع الكامل.
بالنسبة للولايات المتحدة، كان وقف الحرب قرارًا تكتيكيًا لتجنّب الغرق في مستنقع مشابه للعراق. وبالنسبة لإيران، كان وقف النار مخرجًا يحفظ ماء الوجه ويمنع التصعيد دون تقديم تنازلات. أما إسرائيل، فقد خرجت بلا نصر، وغارقة في أزمة إستراتيجية مفتوحة.
الهدنة الحالية هشة، ولا يمكن لها أن تصمد ما لم تُرفَد بترتيبات سياسية حقيقية، والكرة الآن في ملعب واشنطن لتحديد مستقبل هذه المرحلة.
https://www.middleeasteye.net/opinion/after-ceasefire-us-and-israel-can-hardly-claim-have-deterred-iran