يشهد الشرق الأوسط حالة من التوتر المتصاعد على خلفية تنفيذ قوات الحرس الثوري الإيراني هجوم صاروخي ضد قاعدة العديد الجوية الأمريكية في قطر، ما فتح الباب أمام تساؤلات ملحّة بشأن طبيعة المرحلة القادمة، وسقف التصعيد الممكن، واحتمال انزلاق المنطقة إلى صراع شامل طويل الأمد.
وكانت أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني قد أعلنت تنفيذ هجوم صاروخي ضد قاعدة العديد الجوية الأمريكية في قطر، وذلك “ردا على العمل العدواني والسافر الذي نفذته الولايات المتحدة ضد المواقع والمنشآت النووية الإيرانية”.
وأوضح البيان الإيراني أن عدد الصواريخ المستخدَمة في العملية كان مماثلا لعدد القنابل التي استخدمتها الولايات المتحدة في الهجوم على المنشآت النووية، مؤكدا أن القاعدة المستهدَفة بعيدة عن المناطق الحضرية والسكنية في قطر، ومشددا على أن هذا الإجراء لا يشكل أي تهديد لدولة قطر أو شعبها، وأن طهران ملتزمة باستمرار العلاقات الودية مع الدوحة.
وأعلنت القوات المسلحة الإيرانية أن “عملية الرد على العدوان الأمريكي بدأت بعملية مشتركة بين الحرس الثوري والجيش”، مؤكدة تنفيذ “هجوم صاروخي مدمر وقوي” استهدف قاعدة العديد الجوية في قطر.
وكان رئيس هيئة الأركان الإيرانية عبد الرحيم موسوي قد توعد في وقت سابق بالرد "الحاسم والقاطع" على الضربات الأميركية التي استهدفت المنشآت النووية في إيران، بينما أشارت تقديرات في الولايات المتحدة إلى أن الرد قد يأتي خلال يوم أو يومين.
وقال موسوي في كلمة بثها التلفزيون الإيراني، الاثنين، إن تصرف الرئيس الأميركي دونالد ترامب "نابع من اليأس ومحاولة إنقاذ وكيله في المنطقة وهو الكيان الإسرائيلي".
وأكد أن "انتهاك حرمة بلادنا لن يبقى من دون رد"، وأن هذا الرد سيأتي "حاسما وقاطعا". وأضاف أن هذه الهجمات ستتسبب في تدمير الكيان الصهيوني، وفق تعبيره.
كما أوضح أن طهران سترد "بما يتناسب مع فعل المعتدي"، مشيرا إلى أن الهجوم الأميركي انتهك سيادة البلاد، وخلف أضرارا في 3 مواقع نووية.
ويرى مراقبون أن طهران تعيش مأزقًا استراتيجيًّا، حيث تحاول الموازنة بين تبعات الرد لحفظ الهيبة، وتفادي الانجرار إلى حرب استنزاف. في المقابل، تواصل إسرائيل ضغطها العسكري المكثف، في محاولة لشلّ القدرات الصاروخية الإيرانية قبل أن تتسع رقعة المواجهة وتتحول إلى نزاع طويل الأمد.
تنسيق إسرائيلي أميركي محكم
يقول الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا: "إن الضربة الأميركية لم تكن قرارا مفاجئا، بل تم الإعداد لها مسبقا، وجرت محاكاة سيناريوهاتها خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن، في إطار تنسيق وثيق بين القيادة المركزية الأميركية وإسرائيل.
ويشير العميد حنا إلى أن واشنطن دخلت المعركة لاستكمال أهداف إسرائيلية عالقة، ومنح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مخرجا من أزمته السياسية.، وفقًا لـ"الجزيرة نت".
لكنه يؤكد أن هذا التدخل فتح بابا جديدا، حيث تواجه إيران -التي اعتمدت لعقود على مبدأ "الدفاع المتقدم" عبر وكلائها الإقليميين- واقعا جديدا بعد انتقال المواجهة إلى داخل أراضيها، مما يضعف دور وكلائها في حال استمرت الحرب على شكل استنزاف طويل الأمد.
حذر محسوب ورد محدود
ويرى الكاتب والباحث أسامة أبو أرشيد -من واشنطن- أن رد طهران المباشر على قواعد أميركية في العراق أو الخليج سيضع إيران أمام معادلة صعبة "بين ردع العدو وعدم الانجرار إلى حرب مفتوحة".، وفقًا لـ"الجزيرة نت".
ويستذكر تجربة عام 2020، حين ردت طهران على اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني بضرب قاعدة عين الأسد، بعد إنذار غير مباشر لتجنب سقوط قتلى، لكن الوضع اليوم أكثر تعقيدا في ظل ضغوط انتخابية على واشنطن.
ويضيف أبو أرشيد أن أحد الاحتمالات المطروحة هو شن هجمات سيبرانية، وهو ما حذرت منه وزارة الأمن القومي الأميركية.
تصريحات نتنياهو
دعت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية نتنياهو إلى اتخاذ القرار الصعب، واغتنام الفرصة التي أتاحتها الضربة الأميركية الأخيرة عبر الانخراط في تسوية سياسية تقود إلى وقف إطلاق النار.
ومن جانبه، يرى الخبير في الشأن الإسرائيلي مهند مصطفى أن إسرائيل تعتبر الضربة الأميركية فرصة إستراتيجية دفعتها لاستثمار اللحظة بكل قوة.
ويشير مصطفى إلى إعلان نتنياهو أن الهدف المركزي للحرب، وهو تدمير المشروع النووي الإيراني، قد تحقق. لكنه يعترف بوجود فسحة زمنية محدودة لاستكمال ضرب القدرات الصاروخية الإيرانية.
ويضيف أن إسرائيل تسعى لإنهاء الحرب بقرار إسرائيلي، مع محاولة إقناع واشنطن بتوجيه ضربة ثانية لضمان تدمير المنشآت النووية بالكامل، وتتبنى إسرائيل سياسة "الهدوء مقابل الهدوء والتصعيد مقابل التصعيد" مع الحفاظ على مسار جوي آمن لضرب أهداف إيرانية، إلى أن تفرض تسوية دبلوماسية أو تضعف قدرة إيران على الرد.
حسابات مفتوحة
يشير أبو أرشيد إلى أن الحسابات العسكرية والسياسية التي سبقت الضربة الأميركية تتسم بتعقيدات كبيرة، إذ كشفت تقارير أميركية عن قيام إسرائيل بقصف منصات دفاع جوي إيرانية لتأمين أجواء العمليات لطائرات "بي-2" الأميركية التي نفذت الهجمات.
ويؤكد أن طهران تدرك أن الضربة الأميركية لم تكن ممكنة لولا التحريض الإسرائيلي، مشيرا إلى تبني واشنطن رواية استخباراتية إسرائيلية تتعارض مع تقييمات وكالاتها بأن إيران لم تسع لتطوير سلاح نووي منذ 2003.
ويحذر أبو أرشيد من احتمال لجوء طهران إلى تأزيم الملاحة في مضيق باب المندب بدلا من إغلاق مضيق هرمز، لما لذلك من كلفة عالية على إيران.
ويتفق المحللون على أن الأزمة تتجاوز المنشآت النووية التي استهدفتها الضربات، وتمتد إلى ما يقارب 400 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب الذي يبدو أن إيران نقلته قبل الهجمات، إضافة إلى المعرفة النووية المتقدمة، والصواريخ الباليستية، والدور الإقليمي لطهران.
وتشن إسرائيل حربا مفتوحة على إيران منذ 13 يونيو الجاري، تستهدف منشآت نووية ومواقع عسكرية ومدنية، كما اغتالت خلال أيام قيادات بارزة في الحرس الثوري، بينهم رئيس هيئة الأركان، إلى جانب عدد من العلماء النوويين.
ومع دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة الإسرائيلية الإيرانية -عبر ضربات مباشرة على منشآت تخصيب اليورانيوم في فوردو ونطنز وأصفهان- ارتقى التصعيد إلى مستوى غير مسبوق.