يرى فريدريك كيمب، رئيس مركز أتلانتيك كآونسل للأبحاث ، أن الضربات الإسرائيلية الأخيرة لإيران، والتي اتّسمت بالجرأة والاتساع والتخطيط الاستراتيجي، تمثل أكثر من مجرد ردّ عسكري على تهديد نووي محتمل، بل تفتح الباب لإعادة تشكيل إقليمي كبرى قد تُنهي أحد أكبر العوائق أمام تحقيق السلام والأمن والازدهار في الشرق الأوسط.

يشير كيمب إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وفّر، رغم الانتقادات، لحظة فاصلة للمنطقة يمكن أن تعاد من خلالها هيكلتها على أساس التطبيع والاندماج، ووفق قيم مشتركة مثل التحديث الاقتصادي، والاعتدال السياسي، والتسامح الديني.

عقودٌ طويلة من التوتر شهدها الشرق الأوسط بسبب سياسات إيران، المتمثلة في حافة الهاوية النووية والتطرف الأيديولوجي وتصدير الثورة عبر وكلائها في المنطقة، مثل حزب الله والحوثيين وميليشيات العراق. ويرى كيمب أن الضربات الإسرائيلية لا تتعلق فقط بأمن إسرائيل، بل تسعى كذلك لإنهاء قدرة طهران على تقويض جهود المصالحة العربية-الإسرائيلية.

يعتبر الكاتب أن إيران لعبت دور "مشعل الحرائق" الذي أحبط كل محاولة سلام حقيقية، منذ اتفاقات كامب ديفيد إلى اتفاقات أبراهام. ويُذكّر بتوقيت هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، والذي جاء بالتزامن مع اقتراب التوصل لاتفاق تطبيع بين السعودية وإسرائيل.
 

فرصة التحوّل

يشير المقال إلى أن هذا الأسبوع قد يشهد تسارعًا في التوجه الإقليمي نحو التحالف بين دول تسعى إلى الاندماج الاقتصادي والأمني، بما في ذلك إسرائيل، وهو ما يسميه المجلس الأطلسي بـ"مجموعة N7" وتضم: إسرائيل ومصر والأردن والإمارات والبحرينو المغرب والسودان (قبل الحرب الأهلية).

يدعم المجلس هذا التوجه من خلال مبادرة N7، بالشراكة مع مؤسسة جيفري إم. تالبينز، والتي أُطلقت في 2021 لتعزيز التعاون بين هذه الدول عبر مبادرات سياسية وأمنية واقتصادية. شارك أكثر من 25 بلدًا ومئات القادة في هذه المبادرة، والتي استضافت هذا الأسبوع مجموعة من النواب الأمريكيين في الشرق الأوسط.

يرى كيمب أن مبادرة N7، والتي بدأت كفكرة طموحة، تواجه تحديات من أطراف معادية مثل إيران ووكلائها. لكنه يلفت إلى أن الهجمات الإيرانية المباشرة على إسرائيل العام الماضي دفعت واشنطن للعمل مع شركائها، ومنهم دول N7، على تطوير دفاعات جوية مشتركة. ويُلمّح إلى أن الضربات الإسرائيلية قد تُسرّع الاندماج الاقتصادي والأمني، بل وقد تفتح الباب لبناء نماذج إقليمية شبيهة بالاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو.

يستشهد في ذلك بتصريح الملك عبد الله الثاني في 2022 حين قال إنه "سيكون أول المؤيدين لحلف ناتو شرق أوسطي". لذلك يرى كيمب أن الإدارة الأمريكية القادمة، إذا فكّرت بعقلية بنّاء وليس رجل إطفاء، وامتلكت الإرادة السياسية، فقد تُحقق إنجازًا تاريخيًا يشبه ما تحقق باتفاقات أبراهام.
 

نقطة تحول شبيهة بانهيار السوفييت؟

ينقل كيمب عن شخصية مقربة من إدارة ترامب زارت إيران مؤخرًا، أن الأجواء هناك تُذكّر بأيام البيريسترويكا في أواخر العهد السوفييتي. القمع ما زال قائمًا، لكن الخوف يتراجع، والثقة بالنظام تضعف. تحدّث الإيرانيون عن الديمقراطية، بل وحتى عن عودة الملكية.

في هذا السياق، يرى كيمب أن هذه اللحظة شبيهة بنقطة التحول التي سبقت سقوط النظام السوري، وأن إدارة ترامب المقبلة قد تواجه فرصة قيادية على مستوى العالم إذا أحسنت استغلال الضعف الإيراني والروسي المتزايد.
 

الضربات كمنصة لإعادة ترتيب الإقليم

يشير المقال إلى أن هجوم حماس في أكتوبر 2023 أبرز هشاشة إسرائيل الأمنية والعسكرية، لكن سلسلة أحداث تلت ذلك، منها مقتل حسن نصر الله بضربة إسرائيلية في سبتمبر 2024، قلبت الموازين ومهّدت للضربات الأخيرة على إيران.

يؤكد كيمب أن التاريخ لن يتذكر هذه الضربات في حد ذاتها بقدر ما سيتذكر ما قد يليها. فرغم استمرار العنف، وما قد يحدث في غزة، إلا أن المحك الأساسي هو إن كانت إسرائيل قد نجحت في إطلاق شرارة إعادة ترتيب إقليمي شامل.

ويختم بالقول إن تلك اللحظة قد تُعدّ نقطة تحول تُكتب في سجلات التاريخ.

https://www.atlanticcouncil.org/content-series/inflection-points/israels-iran-strike-provides-a-historic-chance-for-middle-east-realignment/