منذ اندلاع الصراع في السودان في أبريل 2023، تدفق مئات الآلاف من السودانيين إلى مصر بحثًا عن الأمان، وتشير بيانات رسمية إلى أن مصر تستضيف حاليًا أكثر من 1.2 مليون سوداني طلبوا الحماية الدولية، بينما يبلغ عدد السودانيين المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين نحو 546,746 شخصًا، أي ما يعادل ثلثي عدد اللاجئين المسجلين في البلاد.

في مايو 2024، أصدرت حكومة الانقلاب العسكري المصرية قرارًا يُلزم جميع السودانيين بالحصول على تأشيرة دخول مسبقة، بعد أن كان يُسمح لهم بالدخول بدون تأشيرة بناء على اتفاقيات سابقة بين البلدين، ووفقًا لتقارير حقوقية، فإن عشرات الآلاف من السودانيين عالقون على الحدود في ظروف كارثية، دون مأوى أو غذاء كافٍ، وقد وصفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" القرار بأنه "انتهاك صارخ للحق في اللجوء"، محذّرة من أن مصر "تغلق أبوابها في وجه الفارين من الحرب".

اللافت أن سلطات الانقلاب لم تضع خطة واضحة لتسوية أوضاع من دخلوا سابقًا، بل بدأت حملات أمنية لترحيل المقيمين "بشكل غير قانوني"، ما زاد من التوترات وأدى إلى اعتقال ما لا يقل عن 3,000 لاجئ سوداني خلال الشهور الثلاثة الماضية، حسب تقديرات غير رسمية.

عبّر عدد من السياسيين والاقتصاديين المصريين عن استيائهم من فشل النظام في إدارة ملف اللاجئين، فقد أكد إبراهيم عز الدين، أمين الجالية السودانية في القاهرة، أن غياب الدعم سيزيد معاناة الأسر السودانية ويدفع بعضها للعودة إلى مناطق الصراع، كما انتقدت منظمات حقوقية محلية ودولية السياسات المصرية، معتبرة أن تشديد الإجراءات وتخفيض الدعم الأممي نتيجة مباشرة لفشل الحكومة في الضغط من أجل تمويل دولي كافٍ أو توفير بدائل داخلية مستمرة.

 

تخفيض الدعم الأممي

في مايو 2025، أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر عن تقليص الدعم النقدي لنحو 6 آلاف لاجئ سوداني، في ظل عجزها عن جمع سوى أقل من نصف التمويل المطلوب لدعم أكثر من 939 ألف لاجئ بمصر، يحصل الفرد على 400 جنيه مصري شهريًا (أقل من 8 دولارات)، ومع ذلك، فإن وقف هذا الدعم يهدد آلاف الأسر بالفقر المدقع والجوع، حسب تحذيرات الجالية السودانية، ونتيجة لذلك، عاد أكثر من 200 ألف سوداني إلى بلدهم منذ بداية 2025، مقارنة بـ75 ألفًا فقط خلال 2024، رغم استمرار المخاطر الأمنية في السودان.

 

نظام صحي منهك

أدى تزايد أعداد اللاجئين السودانيين إلى الضغط على البنية الصحية المتدهورة في مصر، لكن حكومة الانقلاب العسكري المصرية ألقت اللوم على اللاجئين بدلًا من الاعتراف بفشلها المزمن في دعم القطاع الطبي، وقال الدكتور حسين خيري، نقيب الأطباء السابق، في تصريحات إعلامية في أكتوبر 2024، إن "المستشفيات الحكومية تعاني من نقص مزمن في التمويل والمعدات"، موضحًا أن "نسبة إشغال أسرة الرعاية الحرجة تجاوزت 90%"، بينما "لا يحصل اللاجئون إلا على خدمات طبية محدودة".

كما أصدرت نقابة الأطباء بيانًا في مارس 2025، انتقدت فيه "غياب التنسيق الحكومي" و"تحميل الطواقم الطبية فوق طاقتها دون دعم حقيقي"، مؤكدة أن "إهمال وزارة الصحة يهدد بانهيار المنظومة بالكامل"، لا سيما في المناطق الحدودية والصعيد حيث يتجمع عشرات الآلاف من اللاجئين السودانيين.

 

أزمة اقتصادية أم فشل إداري؟

يدافع نظام الانقلاب العسكري المصري عن تشديده للإجراءات بأنه يأتي في سياق ضغوط اقتصادية خانقة، خصوصًا مع تراجع الجنيه المصري إلى مستويات غير مسبوقة فسعر الصرف تجاوز65  جنيهًا للدولار في السوق الموازية في مايو 2025، لكن خبراء اقتصاديين يرون أن تحميل اللاجئين مسؤولية الأزمة ما هو إلا "هروب من فشل سياسي مزمن".

وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق في مقابلة إذاعية، إن "اللاجئون ليسوا سبب العجز، بل الإنفاق العسكري المبالغ فيه والمشروعات العقيمة مثل العاصمة الإدارية"، وأضاف: "الدولة أنفقت أكثر من500  مليار جنيه على مشروعات بلا عائد اقتصادي حقيقي، بينما تعجز عن تخصيص ميزانيات لحماية اللاجئين أو دعم الخدمات العامة".

 

تسييس ملف اللاجئين

التغطية الإعلامية الرسمية لحكومة الانقلاب العسكري المصري للملف تتسم غالبًا بنبرة عدائية، إذ تصف بعض البرامج الحوارية اللاجئين بأنهم "عبء أمني وصحي"، متجاهلة الجوانب الإنسانية والمعاناة التي يفرون منها، ويرى محللون أن النظام يستخدم ملف اللاجئين كورقة سياسية للتغطية على أزماته الداخلية، والترويج لخطاب "السيادة الوطنية" من أجل تعبئة الرأي العام.

في تصريح لافت، قال البرلماني المحسوب على نظام الانقلاب مصطفى بكري في جلسة لمجلس النواب في ديسمبر 2024 إن "مصر ليست ملزمة باستقبال كل من يطرق أبوابها"، معتبرًا أن "البلاد أولى بمواردها"، في تجاهل تام للمواثيق الدولية التي وقّعت عليها مصر، ومن ضمنها اتفاقية اللاجئين لعام 1951.

 

أزمة إنسانية تكشف هشاشة الدولة

تكشف طريقة تعامل نظام الانقلاب العسكري المصري مع ملف اللاجئين السودانيين عن مزيج من الفشل الإداري، وانعدام الرؤية الإنسانية، وتغليب الاعتبارات الأمنية على حقوق الإنسان، وبينما تستمر الحرب في السودان، يُترك مئات الآلاف من الضحايا دون حماية حقيقية في بلد يعاني أصلاً من انهيار اقتصادي وتراجع في الحريات.

إن معالجة هذه الأزمة لا تبدأ من الحدود، بل من الداخل المصري، حيث تتطلب سياسة شاملة لإدارة اللجوء، وإعادة النظر في أولويات الدولة، وإنهاء الخطاب الرسمي المعادي للآخر، وإلى أن يحدث ذلك، سيبقى اللاجئون السودانيون عالقين بين الحرب في بلدهم وبين الإهمال في مصر.